للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى بسطهما: بذل الجود وسعة العطاء؛ لأن الإعطاء والجود في الغالب يكون ببسط اليد ومدها، وتركه يكون ضمًا لليد إلى العنق، صار من الحقائق العرفية إذا قيل: هو مبسوط اليد فهم منه يد حقيقة، وكان ظاهره الجود والبخل، كما قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء:٢٩]، ويقولون: فلان جَعْد البنان وسَبْط البنان (١).

قلت له: فالقائل إن زَعَمَ أنه ليس له يد من جنس أيدي المخلوقين، وأن يده ليست جارحة، فهذا حق، وإن زعم أنه ليس له يد زائدة على الصفات السبع، فهو مبطل، فيحتاج إلى تلك المقامات الأربعة.

أما الأول: فيقول: إن اليد تكون بمعنى النعمة والعطية، تسمية للشيء باسم سببه، كما يسمى المطر والنبات سماء، ومنه قولهم: لفلان عندي أياد، وقول [عبد المطلب] (٢) لما فقد النبي -صلى الله عليه وسلم-:

يا رب رد راكبي محمدًا … رده علي واصطنع عندي يدا (٣)

وقول عروة بن مسعود (٤) لأبي بكر يوم الحديبية: (لولا يد لك عندي لم أجزك


(١) فلان جعد البنان: كناية عن البخل. وسبط البنان: كنابة عن الكرم. انظر: غريب الحديث للخطابي (١/ ٣١)، الفائق في غريب الحديث للزمخشري (١/ ٤٤٤)، معجم اللغة العربية (١/ ٢٥٠).
(٢) في الأصل (أبي طالب) وهو خطأ والمثبت هو الصواب.
(٣) رواه أبو زرعة في تاريخه (ص:١٤٣ - ١٤٤)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (١/ ٩١)، والبغوي في معجم الصحابة (٢/ ٥٨٦)، والبيهقي في دلائل النبوة (١/ ١٥١)، والثعلبي في تفسير القرآن (١٠/ ٢٢٦)، بسندهم إلى كندير بن سعيد، عن أبيه قال: (رأيت رجلاً يطوف بالبيت في الجاهلية، وهو يقول:
يا رب رد راكبي محمدا … رده إلي واصطنع عندي يدا
قال: فقلت: من هذا؟ قالوا: عبد المطلب بن هاشم، بعث بابن ابن له في طلب إبل له، ولم يبعث به في حاجة إلا جاء بها -أو قال: نجح- فلم يلبث أن جاء فضمه إليه، وقال: لا أبعث بك في حاجة -أو قال: في شيء-.
(٤) هو عروة بن مسعود بن معتب الثقفي -رضي الله عنه- صحابي مشهور، كان كبيراً في قومه بالطائف قيل: إنه المراد بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزُّخرُف:٣١]، ولما أسلم استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع إلى قومه يدعوهم للإسلام، فقال: أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائماً ما أيقظوني! فأذن له، فرجع، فدعاهم إلى الإسلام، فخالفوه، ورماه أحدهم بسهم فقتله، (ت:٩ هـ). انظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (٤/ ٢١٨٨ - ٢١٨٩)، الاستيعاب (٣/ ١٠٦٦)، أسد الغابة (٤/ ٣٠)، الإصابة (٤/ ٤٠٦ - ٤٠٧).

<<  <   >  >>