للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إضافية أو عدمية. وهم أقرب الناس إلى الصابئين الفلاسفة من الروم، ومن سلك سبيلهم من العرب والفرس، حيث زعموا أن الصفات كلَّها ترجع إلى سلب أو إضافة، أو مركب من سلب وإضافة، فهؤلاء كلهم ضلال مكذبون للرسل (١).

ومن رزقه الله معرفة ما جاءت به الرسل وبصرًا نافذًا، وعرف حقيقة مأخذ هؤلاء، علم قطعًا أنهم يلحدون في أسمائه وآياته، وأنهم كذبوا بالرسل وبالكتاب وبما أرسل به رسله؛ ولهذا كانوا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر وآيلة إليه (٢). ويقولون: إن المعتزلة مخانيث الفلاسفة، والأشعرية مخانيث المعتزلة (٣).


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٢/ ٢٠).
(٢) كثيراً ما ينص شيخ الإسلام على أن البدع بريد الكفر، وأحياناً يقول: مشتقة من الكفر. وينسبها إلى بعض السلف، ومعناها صحيح بلا شك، ولكني لم أقف خلال البحث على قائلها، وإنما وقفت على قول أبي حفص النيسابوري (ت: بعد ٢٦١ هـ) الذي رواه أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية (ص:١٠٤) والبيهقي في الشعب (٩/ ٣٨٤): «المعاصي بريد الكفر، كما أن الحمى بريد الموت».
(٣) ذكر شيخ الإسلام نحو هذه العبارة في غير موضع من كتبه، انظر: مجموع الفتاوي (٨/ ٢٢٧ - ١٤/ ٣٤٨)، الفتاوى الكبرى (٥/ ٣٣٠) النبوات (١/ ٣٠٧) وغيرها من المواضع، وقد شنع بها بعض المخالفين على شيخ الإسلام، وسبب ذلك أمران اثنان: الأول: ظنهم أن شيخ الإسلام هو أول من استخدم مثل هذه العبارة. الأمر الثاني: الجهل من بعضهم بمعنى كلمة (مخنث) في لغة العرب.
فأما الأمر الأول: فإن شيخ الإسلام ليس هو أول من استخدم مثل هذا التعبير عن الفرق المخالفة، فقد استخدم هذا التعبير عبد القاهر البغدادي (ت: ٤٢٩ هـ) في الفرق بين الفرق (ص:٩) قال: «ولهذا قيل للمعتزلة: إنهم مخانيث الخوارج»، وذكر العبارة نفسها أبو المظفر الإسفراييني (ت: ٤٧١ هـ) في التبصير في الدين (ص:٦٨)، ونقل شيخ الإسلام عن أبي إسماعيل الهروي (ت: ٤٨١ هـ) قوله: «الأشعرية الإناث هم مخانيث المعتزلة». كما أن الشهرستاني (ت: ٥٤٨ هـ) في نهاية الإقدام (ص: ١٥٩) قال عن المعتزلة: «الخناثى من المعتزلة لا رجال ولا نساء»، ووردت عبارة (المعتزلة مخنثة الفلاسفة)، في نفخ الطيب (٥/ ٣٠٧).
وأما الأمر الثاني: فإن معنى المخنث والخنثى عند العرب كما بين الفراهيدي وغيره: هو ما اجتمع فيه شيء من الذكورة وشيء من الأنوثة فليس معدوداً من الذكور ولا من الإناث، ومنه مسألة الخنثى عند الفقهاء، وهو الذي له آلة الرجال وآلة النساء جميعاً. وانظر في ذلك: العين (٤/ ٢٤٨)، غريب الحديث للقاسم بن سلام (٢/ ٢٨٣)، الزاهر (٢/ ١٥٢)، الصحاح (١/ ٢٨١). وعليه فمعنى كلام شيخ الإسلام: (الأشاعرة مخانيث المعتزلة) أن الأشاعرة ليسوا فحولاً في الاعتزال، بل خلطوا بين مذهب المعتزلة وغيره، وأما ما فهمه الجهلة بالعلم واللغة من المعنى الشائن القبيح؛ فإنه معنى لم تعرفه العرب من كلامها إلا في العصور المتأخرة، وربما بعد عصر شيخ الإسلام، حتى أن الفيروز آبادي لم يُشر إليه في القاموس، وهو من طبقة تلاميذ تلاميذ شيخ الإسلام. وقال ابن الطيب الفاسي -رحمه الله- كما في تاج العروس (٥/ ٢٤١): «التَّخْنِيثُ الذي هو فِعْل الفاحشة لا تعرفه العرب، وليس في شْيءٍ من كلامهم، ولا هو المقصود من الحديث» والله أعلم.

<<  <   >  >>