للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية من السلف فإنهم يثبتون صفات الله، ومنها صفة الوجه كما تليق بالله سبحانه، ويمرون الآيات الواردة في ذلك كما جاءت على ظاهرها، ويرون فساد طريقة أهل التأويل والتحريف، وإنما قالوا في هذه الآية ما قالوا؛ لأن ظاهر هذه الآية عندهم هو ما ذكروه من تفسير، فشتان بين صنيعهم وصنيع هؤلاء المتأخرين المنحرفين من أهل الكلام وأضرابهم، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «والمقصود بهذا الكلام أن من قال من السلف والأئمة لم يقولوه؛ لأنهم ينفون وجه الله الذي يراه المؤمنون في الآخرة، بل قالوه؛ لأن ذلك ظاهر الخطاب عندهم؛ لأن لفظ الوجه مشهور أنه يقصد به الجهة والقبلة هي الجهة» (١)، وقال رحمه الله: «والغرض أنه إذا قيل: (فثم قبلة الله) لم يكن هذا من التأويل المتنازع فيه؛ الذي ينكره منكرو تأويل آيات الصفات؛ ولا هو مما يستدل به عليهم المثبتة، فإن هذا المعنى صحيح في نفسه والآية دالة عليه، وإن كانت دالة على ثبوت صفة فذاك شيء آخر» (٢). والخلاصة أن إثبات الصفة مقام، والخلاف في دليل معين مقام آخر، فالخلاف في دليل معين هل هو دال على الصفة أم لا، لا يستلزم الخلاف في الصفة نفسها، وعد الدليل المعين ليس عدمًا للمدلول.

هذه الأدلة كلها ذكرها شيخ الإسلام ليبين أن تفسير الوجه في الآية بالجهة والقبلة تفسير صحيح في اللغة ودل عليه السياق في الآية، وليس هذا من تحريف القوم وتأويلهم في شيء، والذي خاصمهم فيه شيخ الإسلام وتحداهم أن يأتوا عن السلف بشيء منه: هو تأويل النصوص وصرفها عن ظاهرها المتبادر إلى معنى آخر غير ظاهر، بلا دليل صارف ولا حجة واضحة ولا قرينة صحيحة، كما يفعلون مع الآيات والأحاديث الصريحة في صفات الباري جل جلاله.

هذا، ومن الأدلة التي تقوي حمل الآية على القبلة، ما ورد في سبب نزول هذه الآية: وهو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية في غزاة، فأصابتهم ظلمة فلم يهتدوا


(١) المصدر السابق (٦/ ٧٤).
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ١٧).

<<  <   >  >>