للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للقبلة فصلى كل منهم في جهة، فلما رجعوا سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؟ فسكت، فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية (١). ونحوها من الروايات التي تحمل نفس المعنى وتدل على الأمر ذاته، وهي وإن كانت لا يسلم شيء من طرقها وشواهدها من ضعف ليس باليسير، كما قال البيهقي -رحمه الله-: «لم نعلم لهذا الحديث إسناداً صحيحاً قوياً» (٢)، وقال العقيلي -رحمه الله-: «وأما حديث عامر بن ربيعة، فليس يروى من وجه يثبت متنه» (٣)، إلا أن عدداً من أهل العلم ذهبوا إلى تقوية بعضها ببعض، خصوصاً مع تعدد الصحابة الذين رووا هذه الآثار، قال شيخ الإسلام: «وبعض هذه الطرق مما يغلب على القلب أن الحديث له أصل، وهو محفوظ، فإن المحدث إذا كان إنما يخاف عليه من سوء حفظه، لا من جهة التهمة بالكذب، فإذا عضده محدث اخر أو محدثان من جنسه، قويت روايته، حتى يكاد أحياناً يعلم أنه قد حفظ ذلك الحديث، لا سيما إذا جاء به محدث آخر عن صحابي آخر؛ فإن تطرق سوء الحفظ في مثل ذلك إلى جماعة بعيد لا يلتفت إليه، إلا أن يعارض حديثهم ما هو أصح منه. وقد روى أصحاب التفسير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، وذلك قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، فأصابهم الضباب وحضرت الصلاة فتحروا القبلة وصلوا، فمنهم من صلى قبل المشرق، ومنهم من صلى قبل المغرب، فلما ذهب الضباب استبان لهم أنهم لم يصيبوا. فلما قدموا سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؟ فنزلت هذه الآية. فهذا وإن لم يكن مما يحتج به منفرداً، فإنه يشد تلك الروايات ويقويها» (٤). وقال


(١) رواه الترمذي (٣٤٥)، وابن ماجه (١٠٢٠)، والدارقطني في سننه (١/ ٢٧٢) (٥)، وابن جرير في تفسيره (١/ ٤٠١) من حديث عامر بن ربيعة، وفي الباب عن جابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل، وابن عباس -رضي الله عنهم أجمعين-، ولا يخلو كل من الحديث وشواهده من ضعف ليس باليسير. انظر: سنن الدراقطني (١/ ٢٧١)، السنن الكبرى للبيهقي (٢/ ١١)، تفسير ابن كثير (١/ ٣٣٧).
(٢) السنن الكبرى (٢/ ١١).
(٣) الضعفاء الكبير (١/ ٣١).
(٤) شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصلاة (ص: ٥٤٦).

<<  <   >  >>