للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفيه عن الله ما ليس منه، فجعلوا من نفي التشبيه نفي الاشتراك في المعنى العام أو ما يسمى القدر المشترك، ليتوصلوا بذلك إلى نفي الصفات وتحريفها عن معانيها، وقد بين شيخ الإسلام أن نفي التشبيه من كل وجه هو التعطيل والجحود لرب العالمين وإثباته مطلقاً هو جعل الأنداد لرب العالمين (١)، ولما كان كذلك "لم يرد الكتاب والسنة به مطلقًا لا في نفي ولا إثبات، ولكن جاءت النصوص في النفي بلفظ: المثل والكفو والند والسمي" (٢). وإثبات القدر المشترك حق لا يستلزم تمثيل الله بخلقه، ولا ثبوت شيء من خصائص المخلوقين لله تعالى (٣) "وذلك لأنهما وإن اتفقا في مسمى ما اتفقا فيه، فالله تعالى مختص بوجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، والعبد لا يشركه في شيء من ذلك، والعبد أيضاً مختص بوجوده وعلمه وقدرته، والله تعالى منزه عن مشاركة العبد في خصائصه، وإذا اتفقا في مسمى الوجود والعلم والقدرة، فهذا المشترك مطلق كلي يوجد في الأذهان لا في الأعيان، والموجود في الأعيان مختص لا اشتراك فيه" (٤).

قال شيخ الإسلام: «وأصل ضلال هؤلاء أن لفظ: (التشبيه) لفظ فيه إجمال، فما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك يتفق فيه الشيئان، ولكن ذلك المشترك المتفق عليه لا يكون في الخارج بل في الذهن، ولا يجب تماثلهما فيه، بل الغالب تفاضل الأشياء في ذلك القدر المشترك، فأنت إذا قلت عن المخلوقين: حي وحي، وعليم وعليم، وقدير وقدير، لم يلزم تماثل الشيئين في الحياة والعلم والقدرة، ولا يلزم أن تكون حياة أحدهما وعلمه وقدرته نفس حياة الآخر وعلمه وقدرته، ولا أن يكونا مشتركين في موجود في الخارج عن الذهن؛ ومن هنا ضل هؤلاء الجهال بمسمى التشبيه الذي يجب نفيه عن الله، وجعلوا ذلك ذريعة إلى التعطيل


(١) انظر: بيان تلبيس الجهمية (٦/ ٤٨٤ - ٤٩١).
(٢) المصدر السابق (٦/ ٤٨٥).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٣/ ٦٩)، التدمرية (ص:١٢٥).
(٤) منهاج السنة النبوية (٢/ ١١٧ - ١١٨).

<<  <   >  >>