للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحض، والتعطيل شر من التجسيم، والمشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، والممثل أعشى، والمعطل أعمى» (١).

وأما لفظ الجسم فلا يطلق على الله نفياً ولا إثباتاً؛ لأنه لم يرد في النصوص نفيه ولا إثباته، ولأنه من الألفاظ المجملة التي يحتمل نفيها حقاً وباطلاً، ولذلك يستفصل ممن نفاه: أتريدُ به أن الله جسمٌ من جنس الأجسام المخلوقة، بحيث يكون من جنس البشر لحمًا ودمًا وعصبًا وعظمًا، فنفي هذا المعنى حق ويجب تنزيه الله عنه، وهو داخل في (التمثيل) الذي جاءت النصوص بنفيه.

وإن أردت بالجسم: الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به، فنفي هذا المعنى عن الله باطل؛ لأننا نؤمن بأن لله ذاتاً موصوفة بصفات الكمال اللائقة به سبحانه وتعالى، وهذا ما جاءت به النصوص ودلت عليه الأدلة السمعية والعقلية.

وهذا المعنى الصحيح الثابت هو الذي يعنيه هؤلاء المعطلة بنفيهم للتجسيم، فهم إنما أرادوا التوصل بهذا إلى نفي ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الصفات اللائقة بجلاله وعظيم سلطانه (٢).

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «والمقصود هنا أنه لما ظهرت الجهمية نفاة الصفات تكلم الناس في (الجسم)، وفي إدخال لفظ (الجسم) في أصول الدين وفي التوحيد، وكان هذا من الكلام المذموم عند السلف والأئمة، فصار الناس في لفظ (الجسم)، على ثلاثة أقوال: طائفة تقول: إنه جسم، وطائفة تقول: ليس بجسم، وطائفة تمتنع عن إطلاق القول بهذا؛ وهذا لكونه بدعة في الشرع، أو لكونه في العقل يتناول حقاً وباطلاً، فمنهم من يكف عن التكلم في ذلك، ومنهم من يستفصل المتكلم: فإن ذكر في النفي أو الإثبات معنى صحيحاً قبله، وعبر عنه بعبارة شرعية، لا يعبر عنها بعبارة مكروهة في الشرع، وإن ذكر معنى باطلاً رده؛ وذلك أن لفظ (الجسم) فيه اشتراك بين معناه في اللغة، ومعانيه المصطلح عليها،


(١) المصدر السابق (٢/ ٥٢٦).
(٢) انظر: منهاج السنة (٢/ ٢٢١)، مجموعة الرسائل والمسائل (٥/ ٦١).

<<  <   >  >>