للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قليب في الجادة (١).

ولما انتهى الكلام إلى ما قاله الأشعري (٢): قال الشيخ المقدم فيهم: لا ريب


(١) يقول المبرد في الكامل في اللغة (٢/ ١٤٤): «وكان واصل بن عطاء أحد الأعاجيب؛ وذلك أنه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الراء، فكان يخلص كلامه من الراء». ويقول الجاحظ في البيان والتبيين (١/ ١٥) عن هذه اللثغة: «ولما علم واصل أنه ألثغ، فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذا كان داعية مقالة، ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل، وزعماء الملل … رام أبو حذيفة [أي واصل بن عطاء] إسقاط الراء من كلامه، وإخراجها من حروف منطقه». وقد بلغ به الحال في محاولة الابتعاد عن الراء إلى التصرف حتى في آيات القرآن الكريم. قال الذهبي في تاريخ الإسلام (٨/ ٥٥٩): «كان يُمتحن بأشياء في الراء، ويتحيل لها، حتى قيل له: اقرأ أول سورة براءة. فقال على البديهة: (عهد من الله ونبيه إلى الذين عاهدتهم من الفاسقين فسيحوا في البسيطة هلالين وهلالين) وكان يجيز القراءة بالمعنى، وهذه جرأة على كتاب الله العزيز». وانظر فيما قيل وروي عن لثغته واجتنابه الراء في حديثه: كنز الدرر (٥/ ٦٨) وفيات الأعيان (٦/ ٧ - ١١) طبقات المعتزلة (ص:٢٨).
(٢) قال رحمه الله في موضع آخر من مجموع الفتاوى، وهو يحكي بعض ما حدث في المناظرة: «وبينت لهم أن الأشعري كان من أجل المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد -رحمه الله- ونحوه المنتصرين لطريقه كما يذكر الأشعري ذلك في كتبه. وكما قال أبو إسحاق الشيرازي: إنما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابهم إلى الحنابلة وكان أئمة الحنابلة المتقدمين كأبي بكر عبد العزيز وأبي الحسن التميمي ونحوهما يذكرون كلامه في كتبهم بل كان عند متقدميهم كابن عقيل عند المتأخرين، لكن ابن عقيل له اختصاص بمعرفة الفقه وأصوله وأما الأشعري فهو أقرب إلى أصول أحمد من ابن عقيل وأتبع لها، فإنه كلما كان عهد الإنسان بالسلف أقرب كان أعلم بالمعقول والمنقول. وكنت أقرر هذا للحنبلية، وأبين أن الأشعري، وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب، فإنه كان تلميذ الجبائي ومال إلى طريقة ابن كلاب وأخذ عن زكريا الساجي أصول الحديث بالبصرة، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه في كتبهم، وكذلك ابن عقيل كان تلميذ ابن الوليد وابن التبان المعتزليين، ثم تاب من ذلك، وتوبته مشهورة بحضرة الشريف أبي جعفر. وكما أن في أصحاب أحمد من يبغض ابن عقيل ويذمه: فالذين يذمون الأشعري ليسوا مختصين بأصحاب أحمد بل في جميع الطوائف من هو كذلك. ولما أظهرت كلام الأشعري -ورآه الحنبلية- قالوا: هذا خير من كلام الشيخ الموفق وفرح المسلمون باتفاق الكلمة. وأظهرت ما ذكره ابن عساكر في مناقبه أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين إلى زمن القشيري فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة ومعلوم أن في جميع الطوائف من هو زائغ ومستقيم. مع أني في عمري إلى ساعتي هذه، لم أدع أحداً قط في أصول الدين إلى مذهب حنبلي وغير حنبلي، ولا انتصرت لذلك، ولا أذكره في كلامي، ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها» مجموع الفتاوى (٣/ ٢٢٧ - ٢٢٩).

<<  <   >  >>