قلت: وكذلك ما أخبرتْ به الرسلُ مما في الجنة والنار، بل ونفس الإنسان إنما يعلم ذلك من بعض الوجوه دون الإحاطة بحقيقته. وقيل: إن صفة العلو هل هي صفة كمال؟ فذكرتُ أن فيها قولين: من الناس من يقول: ليست بصفة نقص ولا كمال، كما يقوله كثير من المتكلمين من الأشعرية وغيرهم في صفات الفعل مثل الخلق والرزق، إذ لو كانت صفة كمالٍ لوجب اتصافه بها في الأزل، وهو منزه عن النقائص سبحانه وتعالى. ومنهم من يقول: بل هي صفة كمال. ثم منهم من يقول: هي قديمة وإن تأخر أثرُها، كما يقولونه في الصفات الفعلية من الربوبية وغيرها، وصفة العلو استحقاقه للعلو عند وجود المخلوق. ومنهم من يقول: هذه من الأمور النسبية الإضافية، وتجدُّد النِّسَب والإضافات جائز باتفاق العقلاء، وهي صفة كمال لا يستحق لذلك إلّا حينَ وجود المخلوق، وقبلَ وجود المخلوق يمتنع ثبوتها، فلا يقال صفة نقصٍ ولا كمال». وقد بين شيخ الإسلام حقيقة اعتقادهم في علو الله تعالى أثناء حواره مع علاء الدين الطيبرسي في سجن مصر: «قلت: فإن هؤلاء يقولون: ما فوق العرش رب يدعى ولا فوق السماء إله يعبد؛ وما هناك إلا العدم المحض والنفي الصرف وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعرج به إلى الله تعالى؛ ولكن صعد إلى السماء ونزل. وأن الداعي لا يرفع يديه إلى الله. ومنهم من يقول: إن الله هو هذا الوجود؛ وأنا الله؛ وأنت الله؛ والكلب والخنزير والعذرة ويقول: إن الله حال في ذلك. فاستعظم ذلك وهاله أن أحدا يقول هذا. فقال "هؤلاء" يعني ابن مخلوف وذويه فقلت: هؤلاء ما سمعت كلامهم ولا خاطبوني بشيء؛ فما يحل لي أن أقول عنهم ما لم أعلمه؛ ولكن هذا قول الذين نازعوني بالشام وناظروني وصرحوا لي بذلك وصرح أحدهم بأنه لا يقبل من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يقوله في هذا الباب مما يخالفهم». مجموع الفتاوى (٣/ ٢١٨).