للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما جاءت مسألة القرآن: «ومن الإيمان به الإيمان بأن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود» نازع بعضهم في كونه (منه بدأ وإليه يعود)، وطلبوا تفسير ذلك.

فقلت: أما هذا القول: فهو المأثور الثابت عن السلف مثل ما نقله عمرو بن دينار قال: (أدركت الناس منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق، إلا القرآن فإنه كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود) (١)، وقد جمع غير واحد ما في ذلك من الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين كالحافظ أبي الفضل بن ناصر (٢)، والحافظ أبي عبد الله المقدسي (٣)، وأما معناه: فإن قولهم: (منه بدأ) أي: هو المتكلم به، وهو الذي أنزله من لدنه، ليس هو كما تقول الجهمية: أنه خلق في [الهواء] (٤) أو غيره، أو بدأ من عند غيره.

وأما (إليه يعود): فإنه يسري به في آخر الزمان من المصاحف والصدور، فلا يبقى في الصدور منه كلمة، ولا في المصاحف منه حرف، ووافق على ذلك غالب الحاضرين، وسكت المنازعون. وخاطبت بعضهم في غير هذا المجلس


(١) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٢/ ٢٦٠) برقم (٣٨١)، وذكره الذهبي عن الخلال في العلو للعلي الغفار (ص: ١٥٥) برقم (٤٢١).
(٢) هو أبو الفضل محمد بن ناصر بن علي بن عمر السلامي، الإمام المحدث الحافظ، قال ابن النجار: كان ثقة ثبتاً حسن الطريقة متديناً فقيراً متعففاً نظيفاً نزهاً، وقف كتبه. ورجع عن الأشعرية، (ت: ٥٥٠ هـ). انظر: السير (٢٠/ ٢٦٥)، وفيات الأعيان (٤/ ٢٩٣).
(٣) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي، الشيخ الإمام الحافظ القدوة المحقق المجود الحجة، له مصنفات في الرد على المبتدعة منها: الأمر باتباع السنن واجتناب البدع، جزء في أحاديث الحرف والصوت وغيرها، (ت: ٦٤٣ هـ). انظر: السير (٢٣/ ١٢٦)، الوافي بالوفيات (٤/ ٦٥).
ويشير شيخ الإسلام إلى كتابه (اختصاص القرآن بعودِهِ إلى الرحيم الرحمن) طبع بتحقيق: عبدالله الجديع، مكتبة الرشد- الرياض، الطبعة: الأولى، ١٤٠٩ هـ ١٩٨٩ م.
(٤) هكذا في العقود الدرية (ص:٢٨٠)، وفي مجموع الفتاوى (الهوى)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>