للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنا أحمد بن الرفاعي، وتارة يقول أنا أبو مدين المغربي (١)، وإذا كان يقول أنا المسيح أو إبراهيم أو محمد فغيرهم بطريق الأولى … وكثير من هؤلاء. ومن هؤلاء من يقول: يرى في مكانين ويرى واقفاً بعرفات وهو في بلده لم يذهب فيبقى الناس الذين لا يعرفون حائرين، فإن العقل الصريح يعلم أن الجسم الواحد لا يكون في الوقت الواحد في مكانين، والصادقون قد رأوا ذلك عياناً لا يشكون فيه ولهذا يقع النزاع كثيراً بين هؤلاء وهؤلاء؛ كما قد جرى ذلك غير مرة، وهذا صادق فيما رأى وشاهد وهذا صادق فيما دل عليه العقل الصريح.

لكن ذلك المرئي كان جنيّاً تمثل بصورة الإنسان، والحسيات إن لم يكن معها عقليات تكشف حقائقها وإلا وقع فيها غلط كبير … وكذلك كما ظهر إبليس للمشركين في صورة الشيخ النجدي (٢) وظهر لهم يوم بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فلما رأى الملائكة هرب، قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ


(١) هو شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني، أبو مدين، كان كبير الصوفية والعارفين في عصره، أصله من الأندلس. أقام بفاس، وسكن (بجاية) وكثر أتباعه حتى خافه السلطان يعقوب المنصور، وقد ذكره شيخ الإسلام مع المشايخ الذين يكفرون القائلين بالحلول والاتحاد ولا يرتضون طريقتهم، وذكره فيمن لا يرتضون السماع البدعي ولا يحضرونه، من مصنفاته "مفاتيح الغيب" (ت:٥٩٤ هـ). انظر: تاريخ الإسلام (١٢/ ٩٢٢) الوافي بالوفيات (١٦/ ٩٥) مجموع الفتاوى (١١/ ٥٣٤) مجموعة الرسائل والمسائل (١/ ٢٢٧).
(٢) رواه عبد الرزاق في مصنفه (٩٧٤٣) وأبو نعيم في دلائل النبوة (ص:٢٠٠) وابن أبي حاتم في تفسيره (٥/ ١٦٨٧). قال صاحب الصحيح من أحاديث السيرة النبوية (ص: ١٤١): «حديثٌ حسنٌ عدا ذكر إبليس»، وحكم المعلق على الرحيق المختوم على قصة إبليس بأنها واهية وأسانيدها لاتصح. انظر: التعليق على الرحيق المختوم (ص:٩٧).

<<  <   >  >>