للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:٤٨]، وروي عن ابن عباس وغيره قال: تبدى إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ}، وأقبل جبريل -عليه السلام- على إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده وولى مدبراً هو وشيعته، فقال: الرجل يا سراقة! أتزعم أنك لنا جار؟ فقال: {إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، قال ابن عباس: وذلك لما رأى الملائكة. (١) قال الضحاك: (سار الشيطان معهم برايته وجنوده، وألقى في قلوب المشركين أن أحداً لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دينكم ودين آبائكم) (٢).

وكثير من الناس تحمله الجن إلى مكان بعيد، فتحمل كثيراً من الناس إلى عرفات وغير عرفات، وإذا رئي واحد من هؤلاء في غير بلده، يكون تارة محمولاً قد حملته الجن، وتارة تصورت على صورته، ولا يكون هذا من أولياء الله المتقين الذين لهم كرامات، بل قد يكون من الكافرين أو الفاسقين، وأعرف من ذلك قضايا كثيرة ليس هذا موضع تفصيلها. وعند المشركين والنصارى من ذلك شيء كثير يظنونه من جنس الآيات التي للأنبياء.

إنما هي من جنس ما للسحرة والكهان، ومن لم يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ويفرق بين معجزات الأنبياء وكرامات الصالحين، وبين خوارق السحرة والكهان ومن تقترن بهم الشياطين، وإلا التبس عليه الحق بالباطل، فإما أن يكذب بالحق الذي جاء به الأنبياء الصادقون، وإما أن يصدق بالباطل الذي يقوله الكاذبون والغالطون. وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر، والمقصود هنا


(١) رواه الطبري في تفسيره (١٣/ ٧) وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (١/ ٦١٢).
(٢) رواه ابن أبي حاتم في التفسير (٥/ ١٧١٥)، وروى نحوه الطبري في تفسيره (١٣/ ٧) عن الحسن.

<<  <   >  >>