للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأس السماط بالتركي ما فهمته منه إلا أنه قال: اليوم ترى حربًا عظيمًا. ولعل ذاك كان جوابًا لمن كان خاطبه فيهم على ما قيل.

وحضر شيوخهم الأكابر فجعلوا يطلبون من الأمير الإصلاح وإطفاء هذه القضية ويترفقون فقال الأمير إنما يكون الصلح بعد ظهور الحق، وقمنا إلى مقعد الأمير بزاوية القصر أنا وهو وبهادر فسمعته يذكر له أيوب الحمال (١) بمصر والمولهين ونحو ذلك، فدل ذلك على أنه كان عند هذا الأمير لهم صورة معظمة وأن لهم فيهم ظنًّا حسنًا والله أعلم بحقيقة الحال؛ فإنه ذُكر لي ذلك.

وكان الأمير أحب أن يشهد بهادر هذه الواقعة ليتبين له الحق؛ فإنه من أكابر الأمراء وأقدمهم وأعظمهم حرمة عنده وقد قدم الآن وهو يحب تأليفه وإكرامه فأمر ببساط يبسط في الميدان.

وقد قدم البطائحية وهم جماعة كثيرون وقد أظهروا أحوالهم الشيطانية من الإزباد والإرغاء (٢) وحركة الرؤوس والأعضاء والطفر (٣) والحبو والتقلب ونحو ذلك من الأصوات المنكرات والحركات الخارجة عن العادات، المخالفة لما أمر به لقمان لابنه في قوله: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان:١٩].

فلما جلسنا وقد حضر خلق عظيم من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء والعامة وغيرهم، وحضر شيخهم الأول المشتكي وشيخ آخر يسمي نفسه خليفة سيده أحمد، ويركب بعلمين وهم يسمونه: عبد الله الكذاب ولم أكن أعرف ذلك.

وكان من مدة قد قدم علي منهم شيخ بصورة لطيفة، وأظهر ما جرت به عادتهم من المسألة فأعطيته طلبته ولم أتفطن لكذبه حتى فارقني، فبقي في نفسي أن هذا


(١) أيوب أبو سليمان الحمال من كبار الزهاد في عصره ببغداد، كان صاحب أحوال وكرامات (ت: قبل ٢٦٠ هـ). انظر: تاريخ بغداد (٧/ ٤٥٧) تاريخ الإسلام (٦/ ٥٦).
(٢) المراد الغضب والصياح والاضطراب مع إخراج الرغوة من الفم. انظر: لسان العرب (١٤/ ٣٣٠).
(٣) الطفر: القفز والوثب مع ارتفاع. انظر: لسان العرب (٤/ ٥٠١)، والقاموس (ص ٥٥٣).

<<  <   >  >>