للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خفي علي تلبيسه إلى أن غاب وما يكاد يخفى علي تلبيس أحد؛ بل أدركه في أول الأمر فبقي ذلك في نفسي ولم أره قط إلى حين ناظرته، ذكر لي أنه ذاك الذي كان اجتمع بي قديمًا فتعجبت من حسن صنع الله أنه هتكه في أعظم مشهد يكون، حيث كتم تلبيسه بيني وبينه.

فلما حضروا تكلم منهم شيخ يقال له حاتم بكلام مضمونه طلب الصلح والعفو عن الماضي والتوبة وإنا مجيبون إلى ما طلب من ترك هذه الأغلال وغيرها من البدع ومتبعون للشريعة.

فقلت أما التوبة فمقبولة قال الله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر:٣]، هذه إلى جنب هذه، وقال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحِجر:٤٩ - ٥٠].

فأخذ شيخهم المشتكي ينتصر للبسهم الأطواق، وذكر أن وهب بن منبه روى: (أنه كان في بني إسرائيل عابد وأنه جعل في عنقه طوقًا) في حكاية من حكايات بني إسرائيل لا تثبت (١).

فقلت لهم: ليس لنا أن نتعبد في ديننا بشيء من الإسرائيليات المخالفة لشرعنا، قد روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال: (أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم) (٢)، وفي مراسيل أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى مع بعض أصحابه شيئًا من كتب أهل الكتاب، فقال: (كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتابا غير كتابهم أُنزل إلى نبي غير نبيهم) (٣) وأنزل الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى


(١) لم أقف على هذه الحكاية.
(٢) رواه أحمد في المسند (٣/ ٣٨٧)، (١٥١٩٥)، وابن أبي شيبة في المصنف (٥/ ٣١٢)، وحسنه الألباني بشواهده في كتاب السنة (٥٠) والإرواء (٦/ ٣٤).
(٣) رواه أبو داود في المراسيل (٤١٦) والدارمي في سننه (٤٩٥)، عن يحيى بن جعده أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بكتاب في كتف … الحديث. وهو مرسل فإن يحيى من التابعين انظر: تهذيب الكمال (٣١/ ٢٥٣ - ٢٥٤) وتقريب التهذيب (ص:٥٨٨). وقد حكم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم بالإرسال على الحديث. انظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٤٢٣)، الصواعق المرسلة (٣/ ٨٢٧).

<<  <   >  >>