للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال الأمير ولمَ ذاك؟ قلت: لأنهم يطلون جسومهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع وباطن قشر النارنج (١) وحجر الطلق (٢) وغير ذلك من الحيل المعروفة لهم، وأنا لا أطلي جلدي بشيء فإذا اغتسلت أنا وهم بالخل والماء الحار بطلت الحيلة وظهر الحق، فاستعظم الأمير هجومي على النار وقال: أتفعل ذلك؟ فقلت له: نعم قد استخرت الله في ذلك، وأُلقي في قلبي أن أفعله، ونحن لا نرى هذا وأمثاله ابتداء؛ فإن خوارق العادات إنما تكون لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- المتبعين له باطنًا وظاهرًا لحجة أو حاجة، فالحجة لإقامة دين الله، والحاجة لما لا بد منه من النصر والرزق الذي به يقوم دين الله، وهؤلاء إذا أظهروا ما يسمونه إشاراتهم وبراهينهم التي يزعمون أنها تبطل دين الله وشرعه وجب علينا أن ننصر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ونقوم في نصر دين الله وشريعته بما نقدر عليه من أرواحنا وجسومنا وأموالنا فلنا حينئذ أن نعارض ما يظهرونه من هذه المخاريق بما يؤيدنا الله به من الآيات. وليعلم أن هذا مثل معارضة موسى للسحرة لما أظهروا سحرهم أيد الله موسى بالعصا التي ابتلعت سحرهم.

فجعل الأمير يخاطب من حضره من الأمراء على السماط بذلك، وفرح بذلك وكأنهم كانوا قد أوهموه أن هؤلاء لهم حال لا يقدر أحد على رده، وسمعته يخاطب الأمير الكبير الذي قدم من مصر الحاج بهادر (٣) وأنا جالس بينهما على


(١) النارنج: ويسمى الرانِج: ثمر جوز الهند، وهو لفظ فارسي معرب. انظر لسان العرب (٢/ ٢٨٤)، والقاموس (ص ٢٦٥)، وتاج العروس (٣/ ٤٩٧).
(٢) حجر الطِّلْق: هو حجر براق يشتظى ويظهر أنوارًا إذا دُقَّ صفائح وشظايا، قال الزبيدي: «قال الأصمعي: يقال لضرب من الدواء، أو نبت طلق. محرك اللام نقله الأزهري، وقال غيره: هو نبت تستخرج عصارته، فيتطلى بها الذين يدخلون النار … وهو معرب) انظر: القاموس المحيط (ص: ١١٦٨)، تاج العروس (١٣/ ٣٠٥).
(٣) هو سيف الدين الحاج بهادر آص المنصوري، الأمير الكبير، أكبر أمراء دمشق، طال عمره في الحشمة والثروات، وكان محببا إلى العامة، وله بر وصدقة وإحسان، (ت: ٧٣٠ هـ). انظر: البداية والنهاية (٩/ ٤٠٠)، شذرات الذهب (٦/ ٩٣).

<<  <   >  >>