مكة لتبرد عن سارة حرارة الغيرة، وهذا من رحمته تعالى ورأفته، فكيف يأمره سبحانه بعد هذا أن يذبح ابنها، ويدع ابن الجارية بحاله، هذا مع رحمة الله لها وإبعاد الضرر عنها وجبره لها فكيف يأمر بعد هذا بذبح ابنها دون ابن الجارية، بل حكمته البالغة اقتضت أن يأمر بذبح ولد السُّرِّيَّة، فحينئذ يرق قلب السيدة عليها وعلى ولدها، وتتبدل قسوة الغيرة رحمة، ويظهر لها بركة هذه الجارية وولدها، وأن الله لا يضيع بيتاً هذه وابنها منهم، وليُريَ عباده جبره بعد الكسر، ولطفه بعد الشدة، وأن عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين، متعبدات لهم إلى يوم القيامة، وهذه سنته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه أن يمنَّ عليه بعد استضعافه وذله وانكساره.
قال تعالى {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥)} {القصص: ٥}.
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. …
وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (١).