حياته (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، والفرق بينهما أن عابر السبيل ماشٍ يمر بالقرية وهو ماش منها، وأما الغريب فهو مقيم فيها حتى يرتحل عنها يقيم فيها يومين أو ثلاثة أو عشرة أو شهراً، وكل منهما لم يتخذ القرية التي هو فيها وطناً وسكناً وقراراً، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام كن في الدنيا كهذا الرجل، إما غريب أو عابر سبيل، فالغريب وعابر السبيل لا يستوطن، يريد أن يذهب إلى أهله وإلى بلده، لو أن الإنسان عامل نفسه في هذه الدنيا بهذه المعاملة لكان دائماً مشمراً للآخرة لا يريد إلا الآخرة، ولا يكون أمام عينيه إلا الآخرة حتى يسير إليها سيراً يصل به إلى مطلوبه، وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، المعنى أنك لا تؤمل أنك إذا أصبحت أمسيت، وإذا أمسيت أصبحت، فكم من إنسان أمسى ولم يصبح، وكم من إنسان لبس ثوبه ولم يخلعه إلا الغاسل، وكم من إنسان خرج من أهله قد هيأوا له غداءه أو عشاءه ولم يأكله، وكم من إنسان نام ولم يقم من فراشه، المهم أن الإنسان لا ينبغي له أن يطيل الأمل، بل يكن حذراً حاذقاً حازماً كيساً، هذا معنى قوله:(إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح … ) إلخ.