للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"العبدةِ" للإضافة، كما قال الراجزُ (١):

قام وُلَاها فَسَقَوْه صَرْخَدَا (٢)

يُرِيدُ: قام وُلاتُها. فحذَف التاءَ مِن "وُلاتِها" للإضافةِ.

وأما قراءةُ القَرَأةِ فبأحدِ الوجهين اللذين بدَأْتُ بذكرِهما، وهو ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ بنصبِ "الطاغوتِ" وإعمالِ "عبَد" فيه، وتوجيهِ "عبَد" إلى أنه فعلٌ ماضٍ مِن العبادةِ. والآخَرُ: (وعَبُدَ الطاغوتِ) على مثالِ "فَعُل"، وخفضِ "الطاغوتِ" بإضافةِ "عَبُد" إليه.

فإذ كانت قراءةُ القرأةِ بأحدِ هذين الوجهين دونَ غيرِهما مِن الأوجهِ التي هي أصَحُّ مخرجًا في العربيةِ منهما، فأَوْلاهما بالصوابِ مِن القراءةِ قراءةُ مَن قرَأ ذلك: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾. بمعنى: وجعَل منهم القردَةَ والخنازيرَ، ومَن عبَد الطاغوتَ؛ لأنه ذُكِر أن ذلك في قراءةِ أبيِّ بن كعبٍ وابنِ مسعودٍ: (وجعَل منهم القِرَدَةَ والخنازيرَ وعبَدُوا الطاغوتَ) (٣). بمعنى: والذين عبَدوا الطاغوتَ. ففي ذلك دليلٌ واضحٌ على صحةِ المعنى الذي ذكَرْنا مِن أنه مرادٌ به: ومَن عبَد الطاغوتَ. وأن النصبَ بـ "الطاغوتِ" أوْلى على ما وصَفْتُ في القراءةِ؛ لإعمالِ "عبَد" فيه؛ إذ كان الوجهُ الآخرُ غيرَ مُسْتَفِيضٍ في العربِ ولا معروفٍ في كلامِها.

على أن أهلَ العربيةِ يَسْتَنْكِرون إعمالَ شيءٍ في "مَن" و "الذي" المُضْمَرَيْن مع "مِن" و "في" إذا كفَتْ "مِن" أو "في" منهما، ويَسْتَقْبِحونه، حتى كان


(١) الرجز في معاني القرآن للفراء ١/ ٣١٤، وتاج العروس (صرخد) غير منسوب فيهما.
(٢) الصرخد: اسم للخمر. التاج (صرخد).
(٣) مختصر الشواذ لابن خالويه ص ٤٠، وتفسير القرطبي ٦/ ٢٣٥، والقراءة شاذة لمخالفتها رسم المصحف.