للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضُهم يُحِيلُ ذلك ولا يُجِيزُه، وكان الذي يُحِيلُ ذلك يَقْرَؤُه: (وعَبْدَ الطاغوتِ). فهو على قولِه خطأٌ ولحنٌ غيرُ جائزٍ.

وكان آخَرون منهم يَسْتَجِيزُونه على قُبْحٍ، فالواجبُ على قولِهم أن تَكونَ القراءةُ بذلك قَبيحةً، وهم مع استقباحِهم ذلكَ في الكلامِ قد اخْتاروا القراءةَ بها، وإعمالَ "وجعَل" وجعَل" في "مَن"، وهي محذوفةٌ مع "مِن".

ولو كنا نَسْتَجيرُ مخالفةَ الجماعةِ في شيءٍ مما جاءَت به مُجْمِعَةً عليه، لَاخْتَرْنا القراءةَ بغيرِ هاتين القراءتين، غيرَ أن ما جاء به المسلمون مُسْتَفِيضًا فيهم (١) لا يَتَناكَرونه، فلا نَسْتَجِيزُ الخروجَ منه إلى غيرِه، فلذلك لم نَسْتَجِزِ القراءةَ بخلافِ إحدى القراءتَيْن اللتين ذكَرْنا أنهم لم يَعْدُوهما.

وإذ كانت القراءةُ عندَنا ما ذكْرَنا، فتأويلُ الآيةِ: قل هل أُنَبِّئُكم بشرٍّ مِن ذلك مَثُوبةً عندَ اللَّهِ، مَن لعَنه اللَّهُ وغضِب عليه، وجعَل منهم القردةَ والخنازيرَ، ومَن عبَدَ الطاغوتَ.

وقد بيَّنا معنى "الطاغوتِ" فيما مضَى بشواهدِه مِن الرواياتِ وغيرِها، فأغْنَى ذلك عن إعادتِه ههنا (٢).

وأما قولُه: ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾. فإنه يعنى بقولِه: ﴿أُولَئِكَ﴾: هؤلاء الذين ذكَرَهم تعالى ذكرُه، وهم الذين وصَف صفتَهم، فقال: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾. وكلُّ ذلك مِن صفةِ اليهودِ مِن بنى إسرائيلَ. يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين هذه صفتُهم شرٌّ مكانًا في عاجلِ الدنيا والآخرةِ عندَ اللَّهِ ممَّن نقَمْتُم عليهم (٣) يا معشرَ اليهودِ


(١) في م: "فهم".
(٢) ينظر ما تقدم في ٤/ ٥٥٥ وما بعدها.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "عليه".