والإيمان ستة أركان، وسبحان من علم هذا الأمي الذي ما قرأ ولا كتب، فرتب المسائل عليه الصلاة والسلام وعلم، ثم ما تُرِكَ الإنسان يوم مات عليه الصلاة والسلام في أية مسألة إلا وعنده من الرسول صلى الله عليه وسلم فيها علم: تقليم الأظافر قص الشارب إعفاء اللحية الصلاة الزكاة النكاح المعاملات أمور الحياة كلها، ما ترك فيها صلى الله عليه وسلم مسألة إلا بينها كما قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}[المائدة:٣] الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فمن فعل ذلك فهو مؤمن، وارتفع الدرجة الثانية.
الدرجة الثالثة العليا: الإحسان، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}[الشعراء:٢١٨ - ٢١٩] وهذا أغلى وأعلى شيء، وهي درجة أبي بكر الصديق، ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد عن أبي بكر أنه قال على المنبر:[[يا أيها الناس! استحيوا من الله حق الحياء، فوالله الذي لا إله إلا هو إني لأذهب إلى الخلاء لقضاء حاجتى، فأضع ثوبي على وجهي حياء من ربي]] بلغ منزلة ما بلغها أحد وهي درجة الإحسان، ولابد أن ندرب أنفسنا مع الأيام، ومع التوبة والاستعداد والعمل والمزاولة إلى أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى، فهذا ليس خاصاً بالأنبياء، بل يصلها العباد، وربما كان منكم الآن من بلغ درجة الإحسان، فما خلت الدنيا ممن بلغ درجة الإحسان، وربما كان منكم الآن من لو أقسم على الله لأبره.
فالإنسان لا ييئس من روح الله، والإنسان يثق فيما عند الله، ويعرف أن الولاية لا تنقطع، كما قال تعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس:٦٢ - ٦٣] فالإنسان يتأمل ويتشوف وتكون همته عالية.
عجباً من همم بعض الناس كيف تكون محصورة في أمور ضيقة، ثم لا تطمح هممهم إلى المنازل العالية التي تقربهم من الله، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: عجباً لـ أبي مسلم الخراساني هددنا بهمته وإذا همته منصب وملك، ثم ذبح على الملك، فعلى ماذا حصل؟ لا على جنة عرضها السماوات والأرض، ولا ندري فمصيره إلى الله، والمتنبي يقول عن نفسه:
أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمودِ
يقول: أنا في الأمة المحمدية مثل صالح عليه السلام في ثمود، فماذا قدم لنا؟ قصائد معدودة يطلب بها جدوى ويعطى دارهم، ثم مات مذبوحاً في بادية فزارة، هذا هو المكسب، لكن أعظم الناس همة من يصل إلى درجة الإحسان {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم:١٧]{أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يرك} والله! لا أعلم همة أعلى من همة الصحابة.
والبراء بن مالك يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في برد ممزق فيقول صلى الله عليه وسلم:{رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك} فكان البراء بن مالك يقف على التراب ويقسم على الله ويقول: والله لتنصرننا هذا اليوم؛ فينصرهم الله، أية درجة؟! لماذا لا نجرب أنفسنا؟! الأبواب مفتوحة، والعطايا ممنوحة، والله كريم سبحانه