[أسباب الحصول على الذرية الصالحة]
وهذه الهبة، وهذا العطاء الرباني يحصل بسببين اثنين:
أولهما: قضاء وقدر من الحي القيوم، وهداية خَلقية أمرية منه تبارك وتعالى.
وثانيهما: سبب كسبي من العبد بالتربية والتوجيه والتعليم.
فها هو إبراهيم الخليل يتوجه إلى الله تبارك وتعالى أن يجنب أبناءه الشرك والوثنية، يقول عليه السلام في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥] كأنه يقول: يا رب! لا تجعل أبنائي مشركين وثنيين فجرة، حينها تُنَغَّص عليَّ الحياة، وتُكَدَّر عليَّ السعادة، وتُظْلِم الدنيا في عينيَّ.
ويقول بعدها بآيات في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧] يا رب! أبنائي يقيمون الصلاة فلا تضيعهم.
يارب! أبنائي أتقياء أخيار؛ فلا تجعلهم ضُلاَّلاً مشركين.
ويقول في سورة البقرة -يوم طلب الولاية من الله له ولأبنائه- في قوله تعالى: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:١٢٤].
ولو كان الأب خَيِّراً باراً سعيداً تقياً، ولكن ابنه فاجر، فلن تناله ولاية الله، فالله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولا واسطة، ولا شفاعة, إلا لمن ارتضى من عباده الأخيار.
وزكريا عليه السلام يشرف على الهرم، ويدركه الشيب، ويضمحل جسمه، فيلتفت إلى القبلة, ويرفع أكف الضراعة إلى الحي القيوم، يقول الله عنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً} [مريم:٤ - ٦] يقول: يا رب! أسألك ابناً صالحاً يرثني في الخير، يدعو لي وأنا في القبر، مُسَدَّداً، يتصدَّق.
فيُحَسِّن خُلُقَه، فيكون في ميزان حسناته، سبحان الله! يا له من دعاء!
يقول الله في سورة الكهف: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:٨٢] حفظ الله لهما الكنز؛ لأن أباهما كان صالحاً.
والله عز وجل يمتن على زكريا عليه السلام بالهداية لأبنائه، فيقول: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠].
ومدرسة التوجيه والتربية في القرآن تعتمد على الوصايا النافعة، لا على المبادئ المهزوزة الفاشلة، والتعاليم التي أُسْقِيَها أبناء المسلمين في هذا العصر، تجعل الواحد منهم ينشأ فاشلاً فاجراً إلا من رحم ربك.
يقول تعالى حاكياً عن لقمان وصيته لابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].
أي وصية هذه؟! وأي تعاليم هذه التعاليم؟! وأي مبادئ هذه المبادئ؟!