[أبو جهل واتباع الهوى]
يقول أبو جهل للرسول عليه الصلاة والسلام: أعلم أنك صادق، وأنك لا تكذب، ولكن تقول؟ بنو عبد مناف منا نبي، فما نقول؟ وقال أبو جهل في مجلس قريش: إني أعلم أن محمداً لا يكذب، ولكن قال بنو هاشم: فينا السقاية، فقلنا: فينا الرفادة، فقالوا: فينا الحجابة، فقلنا: فينا الراية، فإذا قالوا: فينا النبوة، فماذا نقول؟!
قال سبحانه: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:٣٣] يقول أحد الماجنين من الشعراء وقد نصحه العلماء أن يتوب فما تاب، يقول في بيتين يصور نفسه يوم غلبه الهوى، وقتل نفسه به، ولكن ما أناب ولا تاب، يقول:
أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب
وأما من هوى ليلى وترك زيارتها فإني لا أتوب
أستغفر الله! قيل له: تب، قال: ربه الهوى.
ولذلك بلغ بعض الناس منزلة لا يستطيع أن يتوب، وبعضهم يبكي وهو في الذنب، فيقال له: تب، قال: والله ما أستطيع، ولقد حاولت كل محاولة وجربت نفسي فما استطعت، بل بعضهم انهزم أمام سيجارة الدخان، فما استطاع أن يتوب منها وأعلن فشله، فقال: لا أستطيع.
يقول سيد قطب في كلام معناه: " يا عاصياً! حاول مائة محاولة، حاول ألف محاولة، ووراء الألف محاولة لعل الله أن ينصرك في الواحدة بعد الألف ".
جلس أحد الحكماء بجانب شجرة؛ وكانت الشجرة ملساء، فرأى نملة تصعد في الشجرة، فكلما صعدت سقطت، ثم تصعد فتسقط، ثم تصعد فتسقط، ثم صعدت فأعانها الله حتى ارتقت، فقام الحكيم، فقال: " الخط الذي طوله ألف خطوة يقطع بخطوة " يعني: بالصبر.
صابر ولا تضجر من مطلب فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا
ولعلَّ الله أن ينظر إليك في ساعة يعطي فيها من يشاء، ويهدي فيها من يشاء فيهديك هدايةً ما بعدها ضلالة، وتعرض لنفحات الله عز وجل في ساعات الإجابة، وأدبار الصلوات، وما يدريك لعل يوم هدايتك اليوم، أو غداً، أو بعد غدٍ، فلا تيأس من روح الله: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧].
الهوى غلب بعض الناس حتى أرداهم في النار والعياذ بالله، والمبتدعة ورؤساء المبتدعة غلبهم الهوى.