[بحث الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم]
الموقف الثالث: يقول أبو هريرة في صحيح مسلم: جلس الصحابة في مجلس، وكانوا دائماً يمرون حلقات مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك من أدبهم أنهم يقولون: تسحرنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام أفطرنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام كنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام خرجنا مع الرسول جئنا مع الرسول قمنا مع الرسول من الأدب، لا يقولون: قام معنا أو خرج معنا أو جلس معنا الرسول! لا.
التلاميذ مع الشيخ، كالنجوم مع البدر، الجند مع العلم.
حتى بلغت مكاناً لا يطار له على جناح ولا يسعى على قدم
لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
قال أبو هريرة: {بحثنا عن الرسول عليه الصلاة والسلام فلم نجده} كان الصحابة الكرام يجلسون معه، فبحثوا عنه فلم يجدوه، فانطلقوا يبحثون، قالوا: يا أباهريرة! أنت عليك بمزرعة فلان، وعمر هنا، وأبو بكر هناك، وكلٌ في مكان.
أبو هريرة وفق في البحث، وهو الذي وجد المصطفى عليه الصلاة والسلام في مزرعة رجل من الأنصار، أتى إلى الباب، فسأل! قالوا: الرسول صلى الله عليه وسلم داخل المزرعة.
تخيل أنت في نفسك أنك تذهب إلى مزرعة، وتفاجأ بمحمد عليه الصلاة والسلام، ليس زعيماً بل سيد الزعماء، وليس عالماً بل سيد العلماء، فدخل فقال أبو هريرة وهو رجل دعوب خفيف الدم، دوسي زهراني، من أهل الجبال، وكانت هناك ساقية للماء وتسمى قائداً وتسمى قيداً، وسمه ما شئت أنت، لكن هي مدخل الماء، قال: {فتحفزت وجمعت ثيابي ثم دخلت]] وفي بعض الروايات: {كما يتحفز الثعلب} فدخل فإذا الرسول صلى الله عليه وسلم أمامه يقول: {من أين أتيت يا أبا هر؟!} مداعبة لطيفة.
راوية الإسلام يقول له صلى الله عليه وسلم أبا هر! كان له هرة يلعب بها، فسماه أهله أبا هريرة، فدخل فقال: {يا رسول الله! فقدناك فأتينا نلتمسك، قال: يا أبا هريرة عد إلى الناس وأخبرهم أن من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة، وهذا حذائي تصدق ما تقول} أي: هذا علامة الصدق، خرج أبو هريرة فرحاً مسروراً بهذا الخبر العجيب، سوف يكون مبشراً للناس أجمعين.
{ثم تحفز والحذاء معه فخرج، وفي الطريق لقيه عمر الله أكبر! عمر واقف أمامه، قال له: من أين أتيت يا أبا هريرة؟ قال: وجدت الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المزرعة، وقد قال لي: أخبر من لقيته من الناس أن من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله مخلصاً من قلبه فقد دخل الجنة، وهذه حذاؤه علامة ذلك.
قال أبو هريرة: فأخذ عمر يديه فضربني في صدري فخررت على قفاي، أي: على مؤخرته، وفي لفظ عند مسلم قال: فضربني على صدري فخررت على قفاي أبكي، وقال: عد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إني أخشى أن يتكل الناس، فتحفَّز أبو هريرة بالحذاء ودخل على الرسول عليه الصلاة والسلام}.
ومن ورائه حصن الإسلام عمر، ولو كان غير عمر لما عاد، لكن عمر الذي أخرج عفاريت الجن والشياطين من رءوس بعض الناس، في الصحيح: {ما سلكت فجاً يا عمر! إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك} هكذا.
ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا
فعاد أبو هريرة يبكي عند الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {مالك؟ قال: ضربني عمر يا رسول الله!} ضربة على الكيف، أي: ليست حي الله بالاثنتين، قال: {ماله؟ قال: أمرني ألَّا أخبر الناس} وما هي إلا لحظات وقد وقف عمر عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: {مالك؟ قال: يا رسول الله! أخشى أن يخبر الناس فيتكلوا، دعهم يعملون يا رسول الله! فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: دعهم يعملون} أقره على ذلك؛ لأنه ذكي، وإن لم تكن العبقرية هكذا فلا كانت.
ولذلك يأخذ المركز الثالث والخمسين في عظماء العالم على رأي الأمريكان، لكننا نقول: يا خسيسوس، بل هو من الأوئل على مستوى العالم، وفي الموقف أمور:
أولاً: مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوب الصحابة.
ثانياً: حرص أبي هريرة على الحديث.
ثالثاً: موقف عمر القوي.
رابعاً: أن للصادق ما ليس لغيره، وقد تعرض لها ابن تيمية، لكن يسمح للصادق ما لا يسمح لغيره.
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع
ولذلك يقول ابن تيمية: موسى لما أخذ الألواح فيها كلام الله، والله كتبها بيده، وأتى إلى بني إسرائيل غضب على أخيه، وألقى الألواح كما في سورة الأعراف، وجرجر أخاه وهو نبي مثله، ومع ذلك سامحه الله، بينما المنافق لا يسمح له ولو بنقطة، لأنه مسيء.
ولذلك إذا علمت الطالب مجداً مثابراً متوقد الذكاء وأخطأ مرة، فقل: عفا الله عنك، أما طالب إن حضر الفصل فهو نائم مثل كيس الفحم، وإن غاب فشارد، لا واجب معه، ولا مذاكرة، ولا التزام، هذا إذا أمكنت لك الفرصة فاقصم ظهره، والحساب على الله.