فنُوِّنا للإفراد، والجِهاد قد يتكرَّر، فعُرِّف، والتَّعريف للكَمال، وأما ذِكْر الجِهاد في هذا الحديث بعد الإِيمان، وفي حديث ابن مَسعُود: ٧"والصَّلاةُ لمِيْقاتِها"، وفي حديث أبي ذَرٍّ لم يُذكر الحجُّ، وفي حديث: أَيُّ الإِسلام أَفضَل؟ قال:"مَنْ سَلِمَ المُسلِمُون مِن لِسانِه وَيَدِهِ"، وفي آخَر:"أَنْ تُطعِمَ الطَّعامَ"، فقال (ن): قال العُلَماء: اختَلفت الأَجوبةُ لاختِلاف الأَحوال، فأجاب كلًّا بما تَدعُو حاجتُه إليه، أو بما لم يَعلمْه السَّائل، وأَهل المَجلِس، وتَرْك ما عَلمُوه، ولهذا سقَط ذِكْر الصَّلاة والصِّيام في حديث الباب مع تقدُّم الثَّلاث على الحجِّ والجِهاد.
وقال القَفَّال: إنَّ الخَيريَّة تكون من بعض الوُجوه لا مُطلَقًا بل في شخْصٍ دون شخصٍ، وحالٍ دُون حالٍ.
قلتُ: وهو يَرجع إلى مَا قبْله.
وقيل: بل المُراد من خيرٍ، فحُذفت (مِن) كما يُقال: فلانٌ أعقَل النَّاس، أي: مِن أَعقَلهم، ومنه حديث:"خَيرُكم خيرُكم لأَهلهِ"، وليس المراد أنَّه خيرٌ مطلقًا.
وأما تقديم الجِهاد على الحجِّ مع أنَّ الحجَّ من أَركان الإسلام، والجهاد فرضُ كفايةٍ، فلأنَّ الجهاد قد يَتعيَّن كسائر فُروض الكفاية، ولو لم يتعيَّن فلا يقَع إلا فَرْضًا، والحجُّ قد يقَع نفْلًا، فإذا قُوبل واجبُ الحجِّ بمتعيِّن الجِهاد كان الجهاد أَفضل؛ لهذا الحديث، ولأنَّ نفْع الجهاد مُتَعَدٍّ، وإنْ تَساويا في الفرَضيَّة؛ لأنَّه ذَبَّ عن بَيضة الإسلام، أو لأنَّ الجهاد كان الأَهمَّ في ابتداء الإسلام، أو أنَّ (ثُمَّ) هنا للترتيب