للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما أخبر ابن نجا أنّه يملك الدّيار المصريّة ويزيل هذه الدّولة، لكنّه لا يملكها إلاّ بعد أن يرجع إلى الشّام ويأتيها ثانيا، ثم يرجع ويعود إليها ثالث مرّة وحينئذ يملكها. وسأله عن بيت المقدس فقال: لا يكون فتحه على يدك وإنّما يكون فتحه على يد بعض من فى خدمتك من أقاربك. وهكذا جرى؛ فإن شيركوه لم يملك مصر إلاّ فى مجيئه إلى القاهرة المرّة الثّالثة، ولم يفتح بيت المقدس إلاّ على يد صلاح الدّين يوسف بن أخى شيركوه.

وفى رابع رجب قرئ سجلّ شاور بالوزارة (١).

واستمرّ شيركوه فى مخيّمه ويخرج إليه فى كلّ يوم عشرون طبقا من سائر الأطعمة ومائتا قنطار خبزا ومائتا إردبّ شعيرا. وأعدّ له العاضد ملبوسا وسريرا مرصّعا بالجوهر له قيمة عظيمة كان الآمر قد عمله، وأمره بالدّخول ليخلع عليه، فامتنع. وأرسل إلى شاور يقول: «قد طال مقامنا فى الخيم وضجر العسكر من الحرّ والغبار»؛ ويستنجز منه ما وعد به السّلطان نور الدّين. فأرسل إليه ثلاثين ألف دينار وقال: ترحل الآن فى أمن الله وحفظه.

فبعث يقول له: إنّ الملك العادل نور الدّين أوصانى عند انفصالى عنه «إذا ملك شاور تكون مقيما عنده، ويكون لك ثلث مغلّ البلاد، والثّلث الآخر لشاور والعسكر، والثلث الثالث


= قبره هناك مشهور يزار. ويقول العماد الأصفهانى إنه كان من العلماء المبرزين إلا أنه ابتدع مقالة ضل بها اعتقاده إذ ادعى أن أفعال العباد قديمة، وكان لهذه البدعة تأثير فى جماعة اعتنقوها بمصر وعرفوا بالطائفة الكيزانية. وقد ترجم له العماد ترجمة مطولة. انظر وفيات الأعيان: ١٨:٢؛ خريدة القصر قسم شعراء مصر: ١٨:٢ - ٤٠. ومن شعره:
شريفنا يمضى ومشروفنا … وإنما يفتقد الخير
كالجو لا يوجد إظلامه … إلا إذا ما عدم النير
(١) كتب هذا السجل الموفق ابن الخلال، صاحب ديوان الإنشاء عند العاضد ومطلعه: «من عبد الله ووليه عبد الله أبى محمد العاضد لدين الله أمير المؤمنين، إلى السيد الأجل، سلطان الجيوش، ناصر الإسلام، سيف الإمام، شرف الأنام، عمدة الدين .... » وقد جاء فيه: «أما بعد، فالحمد لله مانع الرغائب ومنيلها، وكاشف المصاعب ومزيلها، ومذل كل عصبة كلفت بالغدر والشقاق ومزيلها، ناصر من بغى عليه، وعاكس كيد الكائد إذا فوق سهمه إليه، وراد الحقوق إلى أربابها، ومرتجع المراتب إلى من هو أجدر برقيها وأولى بها، .... ، ومدنى نابى الحظ بعد نفوره واغترابه، ومطلع الشمس بعد المغيب، ومتدارك الخطب إذا أعضل بالفرج القريب .. » وفيه: «وإن أمير المؤمنين يمدك فى ذلك بدعائه، ويعدك لتدبير دولته وقمع أعدائه، ورآك وإن أبعدتك الضرورات عن بابه، وأنأتك الحادثات عن جنابه، أنك وزيره المكين، وخالصته القوى الأمين، الذى لا ينزع عنه شمس وزارته، ولا يؤثر له غير سلطانه ومملكته». وتجد النص الكامل لهذا السجل فى صبح الأعشى: ٣١٠:١٠ - ٣١٨.
وفى هذه المناسبة أيضا قرئ سجل بتعيين أحد أبناء شاور نائبا عن أبيه فى الوزارة وبتفويض أمورها إليه. ونصه الكامل فى نفس المصدر: ٣١٨ - ٣٢٥.