للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله فاتحة كل خير، وتمام كل نعمة، وصلاة البر الرحيم على محمد بن عبد الله أكرم خلقه، وعلى آله وصحابته وتابعيهم، هداة الطريق، ومنارات الارشاد، ومعالم الخبرات والخيرات.

وينتهى - بفضل الله - بظهور هذا الكتاب وضع ما سطره المقريزى عن تاريخ مصر الفاطمية فى السفر الذى اختص به هذه المرحلة الحفلة بالأحداث بين يدى القراء، علماء ودارسين، ليفيدوا مما ورد به من معلومات لم ترد بغيره، أو وردت فى صورة موجزة غير واضحة الألوان، فيستكملوا بها تصورهم، ويوثقوا فى ضوئها بحوثهم.

ولا ينقص من قدر هذا الكتاب ما يظهر فيه - أحيانا - من متناقضات أو أخطاء تدل على أنه كان فى حاجة الى نظرة أخرى - من المقريزى - فاحصة مدققة، تزيل التناقض وتصحح الخطأ. وقد تكفلت تعليقات التحقيق المقارنة - فى كل حال - بوضع الأمور فى مواضعها الصحيحة، مقدرة للمقريزى جهده العظيم، ميسرة عمل القارئ، موفرة وقته الذى كان سيصرفه فى محاولة البحث عن وجه الحق فى غير «الاتعاظ» من مراجع أولية أو ثانوية، معاصرة أو تالية.

ويشمل هذا الجزء - الثالث والأخير - تفصيل أحداث واحد وتسعين عاما من العهد الفاطمى (٤٨٧ - ٥٦٧ هـ) تولى الخلافة فيها ست من الخلفاء، تواضعت مكانتهم عمن سبقهم، تاركين مركز الصدارة للوزراء الذين أصبحوا - منذ تولى بدر الجمالى منصب الوزارة أيام المستنصر بالله، فى زمن سابق - يتحكمون فى الأمور تحكما مستبدا، يقضى فيها قضاء المتسلط المسيطر، لا يبالى برأى الخليفة ولا يقيم له وزنا، حتى ليمكن القول ان هذا العصر يعد، بحق، عصر نفوذ عظام الوزراء.

ومن صور تدهور مكانة الخلافة ونفوذها فى هذه المرحلة أن المذهب الاسماعيلى تعرض لهزات عنيفة حين قرر الأفضل الجمالى، مثلا، تحويل نشاط حركة الدعوة الرسمية الى العناية بمذهب الامامية الاثنى عشرية، وعند ما حاول على بن السلار الكردى، حين تولى الوزارة، صرف الاهتمام كله الى النظام السنى، والى مذهب الشافعى بصورة خاصة.

كما أقدم الوزراء، منذ زمن الأفضل الجمالى، على ذكر أسمائهم على المنابر فى خطبة الجمعة الى جانب اسم الخليفة، مصحوبة بألقاب التكريم والتعظيم، واتخذ بعضهم لنفسه لقب «الملك»، معززين بذلك مراكزهم، مؤكدين صدارتهم.