للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ست وستين وأربعمائة (١):

فيها تشدد الأتراك وكبيرهم سلطان الجيش يلدكوش التركى (٢)، والأمير إلدكز والوزير يومئذ ابن أبى كدينة، فضاق خناقه وعظم روعه وساءت حاله، وكان [المستنصر بالله] (٣) يظن أن فى قتل ابن حمدان راحة له، فاستطال إلدكز وابن أبى كدينة عليه وناكداه. فتحير فى أمره وكتب إلى أمير الجيوش بدر الجمالى، وهو يومئذ بعكّا، يستدعيه للقدوم لنجدته وإعانته ويعده بتملّك البلاد والاستيلاء عليها. فاشترط عليه أنه يقدم بعسكر معه، وأنه لا يبقى أحدا من عساكر مصر ولا وزرائهم؛ فأجابه المستنصر إلى ذلك (٤). فأخذ فى الاستعداد للمسير إلى مصر؛ واستخدم معه عدّة من العساكر، وركب بحر الملح من عكا، وكان الوقت فى كانون (٥) وهو أشدّ ما يكون من البلاء، ومن العادة أنّ البحر لا يركب فى الشتاء. فسار فى مائة مركب وقد حذّر من ركوبه وخوّف من سوء العاقبة فلم يصغ لذلك؛ وكأن الله سبحانه قد صنع له ومكّن له فى الأرض، وقضى بأن يصلح على يديه، ما قد فسد من إقليم [مصر]. فترحّل بعساكره فى المراكب، وأضحت السماء، وواتتهم ريح طيبة سارت بهم إلى دمياط ولم يمسسهم سوء؛ فكان يقال إنه لم ير فى البحر قطّ صحوة تمادت أربعين يوما إلاّ فى هذا الوقت، فكان هذا ابتداء سعادته وأوّل عظيم جده. فنزل بدمياط، وطلب إليه التّجار من تنّيس وافترض عليهم مالا.


(١) ويوافق أول المحرم منها السادس من سبتمبر سنة ١٠٧٣.
(٢) وهو الأمير يلدكوز الذى تعاون مع إلدكز فى مؤامرة اغتيال ناصر الدولة ابن حمدان.
(٣) الإضافة لتصحيح الوضع إذ أن المستنصر هو الذى استدعى أمير الجيوش من الشام.
(٤) وكان معظم العسكر الذين استعان بهم من الأرمن، وبهذا دخل عنصر جديد فى تكوين الجيش الفاطمى، إلى جانب الأتراك والسودان والمغاربة، والمصطنعة أى المرتزقة.
(٥) فى السنة شهران يحملان هذا الاسم: كانون الأول - ديسمبر وكانون الثانى - يناير. ولم أهتد إلى المقصود منهما، إذ تذكر المراجع أن سير بدر الجمالى كان فى سنة ست وستين وأربعمائة دون تحديد للشهر الذى يمكن بوساطته التعرف على المقصود بشهر كانون المذكور هنا، راجع - مثلا - النجوم الزاهرة: ٥؛ الكامل: ١٠؛ ذيل تاريخ دمشق؛ نهاية الأرب.