للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا بلغ رضوان ذلك أيقن بالهلاك إن وقف، فما زال يتأخر قليلا قليلا حتى صار فيء رحبة باب العيد عند دار سعيد السعداء (١)، وبعث إلى داره، التى هى دار الوزارة من أخذ له شيئا منها على سبيل الخطف، وأوصى إلى أخيه، فانضمّ إليه هو ومن معه من أصحابه وفيهم أبو الفوارس وقدارة بن أبى عزة وشاور بن مجير السّعدى، وجماعة من خواصّه، وخرجوا من باب النصر. فما هو إلاّ أن صار بظاهر القاهرة اقتحم النّاس دار الوزارة ونهبوها حتى لم يتركوا فيها شيئا.

وما وصل رضوان إلى تربة أمير الجيوش (٢) إلاّ وقد تلاحق كثير من المغافرة، وكان قد أسلف عند العرب أيادى وأفاض عليهم نعما وأحسن إليهم إحسانا كثيرا فى مدّة وزارته، فأدركه رجل من العرب يقال له سالم بن المحجل، أحد شياطين الإنس، وحسّن له المسير إلى الشام.

واشتغل النّاس بنهب دار الوزارة، وكان قد جمع فيها رضوان أكثر أموال ديار مصر وشحنها بالذخائر وأنواع السّلاح والعدد والآلات والغلال، فانتهب جميع ذلك، وأحرقت أخشاب تعب الملوك فى تحصيلها. وكان نهب دار الوزارة أوّل ضرر دخل على الدّولة.

وطلب رضوان الشام، فدخل عسقلان وملكها وجعلها معقله، وتوجّه أخوه إلى الحجاز وأقام بها حتى مات؛ وسار ابن أخته إلى بغداد فأكرمه أصحاب الخليفة هناك ولم يزل عندهم إلى أن مات.

وخرج رضوان من عسقلان ولحق بصلخد (٣)، فنزل على أمين الدّولة كمشتكين صاحبها


(١) هى الدار التى أنشأها الأستاذ قنبر سعيد السعداء، عتيق الخليفة المستنصر بالله، وكانت مقابل دار الوزارة، فلما تولى العادل رزيك بن الصالح طلائع بن رزيك الوزارة سكنها وفتح إليها سردابا من دار الوزارة ليمر فيه، ثم سكنها شاور ابن مجير السعدى حين تولى وزارة العاضد لدين الله، كما سكنها ابنه الكامل فى وزارة أبيه. فلما تولى صلاح الدين الأيوبى أمر مصر وأنهى عهد الفاطميين بها حولها إلى دار للصوفية الواردين من البلاد البعيدة ووقفها عليهم، وجعل لها شيخا يشرف على رعايتهم ووقف عليها أوقافا كثيرة .. وأصبحت تعرف منذ ذلك التاريخ بخانقاه سعيد السعداء والخانقاه الصلاحية. (والخانقاه وجمعها الخوانق كالرباط والزاوية: معاهد دينية إسلامية لإيواء المنقطعين للعلم والزهاد والعباد). المواعظ والاعتبار: ٤١٥:٢ - ٤١٦.
(٢) خارج باب النصر، وهى أول مقبرة أنشئت فى هذه المنطقة زمن الفاطميين: نفس المصدر: ٤٦٣:٢.
(٣) هى مدينة صرخد التى تلاصق بلد حوران من أعمال دمشق. معجم البلدان: ٣٤٩:٥ - ٣٥٠. ويذكر ابن القلانسى أن أمين الدولة كمشتكين الأتابكى واليها تلقاه بالإكرام ومزيد الإعظام والاحترام، وأقام مدة فى ضيافته ثم عاد إلى مصر لأمر كان دبره، فلما وصل إليها فسد ذلك التدبير عليه. ويزيد ابن الأثير أنه وصل فى ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثين ثم تركها سنة أربع وثلاثين واصطحب معه عسكرا منها. ذيل تاريخ دمشق: ٢٧٠؛ الكامل: ١٩:١١.