للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا كان يوم الاثنين، الثالث عشر من شوّال، اجتمع بظاهر القاهرة منهم نحو العشرين وأقبلوا من باب زويلة يصيحون: يا للحافظ، الحافظ يا منصور؛ فما وصلوا إلى الشرائحيين الذى يعرف اليوم بالشّوّايين (١)، حتى صاروا نحو الخمسمائة، وما وصلوا بين القصرين إلاّ والعسكر جميعه من فارس وراجل معهم، ولم يبق من الصّبيان والعوامّ أحد حتى خرج النّساء، وأشرف النّساء من الطاقات، وصاروا بأجمعهم يصيحون: يا للحافظية.

فلمّا سمع رضوان الضّجيج أراد أن يركب، فمنعه بعض غلمانه، فأبى عليه لأنه كان واثقا بنفسه وبمن معه؛ وخرج وحده بغير سلاح ليس معه سوى سيف، فلقى الناس بنفسه وطردهم يمينا وشمالا، وظهر منه شجاعة تعجّب منه من شاهدها، فإنه لقى ألوفا من النّاس بمفرده ولم يزل يحمل عليهم حملة بعد حملة إلى أن قتل منهم عدّة. وكان أخوه إبراهيم قد بلغه الخبر، فركب من داره وأمسك عنه من يجيئه من ناحية قصر الشوك (٢)، وشدّت الريحانيّة ورجعوا إليه من ناحية زيادة الجامع الحاكمى (٣) ودرب الفرنجيّة.

فلمّا طال عليه وتيقّن أنّ القوم بأجمعهم قد تمالئوا على حربه، وكان قد انقضى من النهار أربع ساعات، وأشرف عليه الأستاذون من ناحية باب الرّيح من أعالى القصر يرشقونه بالنّشّاب ويرمونه بالطّوب، تحيّر. وكان ابن أخته والى مصر، فبلغه الخبر، فقام بجميع غلمانه وسار لنجدة خاله، فوجد عند باب زويلة من بلغه الخبر بأنه لا يقدر على الوصول إليه؛ فسار من ناحية باب البرقيّة ومعه بوقات وطبول، فسمع إبراهيم، أخو رضوان، أصوات البوقات والطّبول من جهة باب البرقيّة، فأنفذ إلى أخيه رضوان يقول له: قد تفرّق علينا العسكر وجاء من ناحية قصر الشّوك، وقد قاطع الرّاجل علينا من ناحية باب النّصر.


(١) سوق الشوايين أول سوق وضع بالقاهرة وكان يعرف بالشرائحيين، وهو من باب حارة الروم إلى سوق الحلاويين، أصبح يعرف باسم سوق الشوايين عند ما سكنه عدة من بائعى الشواء فى حدود السبعمائة من سنى الهجرة. المواعظ والاعتبار: ١٠٠:٢. وهو الآن جزء من شارع المعز لدين الله.
(٢) كان منزلا لبنى عذرة قبل بناء القاهرة، والعامة تقول قصر الشوق، بالقاف، وهناك حى يعرف باسم هذا القصر فى الجمالية. المواعظ والاعتبار: ٤٠٤:١.
(٣) حدثت هذه الزيادة فى الجامع الحاكمى سنة ٤٠١ فى منارة باب الفتوح، إذ عمل لها أركان طول كل منها مائة ذراع، وعرفت هذه الزيادة بالزيادة الحاكمية، وأول من أسس هذا الجامع العزيز بالله، وصلى به الجمعة، ولكنه لم يكتمل فى عهده وإنما اكتمل فى عهد الحاكم وأصبح يعرف بجامع الخطبة، وجامع الحاكم، والجامع الأنور. نفس المصدر: ٢٧٧:٢.