للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى وجه الحافظ وعلمها منه، فاشمأزّت نفسه مع ما كان فيه من الطّيش، فركب فى تاسع شوّال وزحف إلى القصر؛ فكلّمه الخليفة من بعض طاقات المنظرة الّتى تطلّ على باب الذّهب، وجرى بينهما كلام اجترأ فيه على الخليفة. وعاد إلى داره بعد أن احتاط بالقصر واحتفظ بالأبواب، فانتفض النّاس لذلك بالقاهرة ومصر، وكثرت الأراجيف.

وفى تلك الحالة نزل بعض أولاد الحافظ من القصر هاربا إلى رضوان، وكان شيخا ومعه ولد له، ليقيمه خليفة، فلم يكترث به، وأحضر إسماعيل بن سلامة الداعى، وقال له:

ما تقول فى هذا الرجل، هل يصلح لما التمسه؟ فقال: الخلافة لها شروط ونواميس ما فى هذا منها شيء، وتحتاج إلى نصوص، ولولا أن مولانا الآمر نصّ على مولانا الحافظ وأودعه سرّ الخلافة لما ثبتت فيه ولا استجاب له الناس. فلم يحصّل سوى أنه كان مشئوما على نفسه وأهله، فإنّ الحافظ لما بلغه ذلك قتله وقتل جماعة منهم كثيرة.

ثم إن الحافظ لمّا رأى فعل رضوان وتعدّيه وكثرة من انضم إليه من العسكر عمل فى التّدبير عليه وأرسل إلى صبىّ من الجند يعرف بشومان، وكانت فيه شهامة وجرأة وهو من صبيان الخاصّ، فأحضره إليه من أحد السّراديب سرّا وأرسله إلى علىّ بن السّلار، أحد أمراء الدّولة (١)، يأمره بالتدبير على رضوان، وأنفذ معه مالا إليه ليستعين به على ذلك.

وكان على بن السّلار عاقلا صاحب حزم ويقظة وحسن تأتّ مع قوة وصرامة.

فلمّا جاءه القاصد بالمال وبلّغه عن الخليفة ما قال انتهز الفرصة وأرسل إلى جماعة من صبيان الخاصّ وقرّر معهم أن يجتمعوا ويدخلوا من باب زويلة كردوسا (٢) واحدا وهم يصيحون: الحافظ يا منصور؛ وفرّق فيهم ما أرسله إليه الخليفة.


(١) لما أخذ الأفضل بن بدر الجمالى مدينة القدس من سقمان بن أرتق ضم طائفة من عسكر سقمان إليه وفيهم والد العادل بن السلار هذا، فترقى فى خدمة الأفضل الذى لقبه سيف الدولة وأكرم ابنه عليا وجعله فى صبيان الحجر، فتميز من بينهم بعقله وشجاعته وحزمه وهيبته، فجعله الحافظ ضمن أمرائه وولاه الإسكندرية، وكان يعرف برأس البغل ثم استمر فى الترقى حتى تولى الوزارة للخليفة الظافر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وكان من أمره ما سيرد الحديث عنه، فى المتن، فى مناسباته. وهو أبو الحسن على بن السلار، الملك العادل سيف الدين، وقيل أبو منصور على بن إسحاق. وفيات الأعيان: ٣٧٠:١ - ٣٧١.
(٢) الكردوس والكردوسة بضم الكاف فيهما والجمع كراديس: الفرقة الحربية الراكبة، والقطعة العظيمة من الخيل، والكردوسان قيس ومعاوية ابنا ملك بن حنظلة، وكردس الخيل جعلها كتيبة كتيبة. القاموس المحيط.