للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلّ منهما يدبّر على الآخر. فبدأ الوزير يانس بحاشية الخليفة، فقبض على قاضى القضاة وداعى الدّعاة أبى الفخر صالح بن عبد الله بن رجاء وأبى الفتوح بن قادوس فقتلهما.

وبلغه شيء يكرهه عن أستاذ من خاصّ الخليفة، فقبض عليه من غير مشاورة الحافظ، واعتقله بخزانة البنود، وضرب عنقه من ليلته. فاستبدّت الوحشة بينه وبين الحافظ، وخشى من زيادة معناه، فقال (الحافظ) (١) لطبيبه: اكفنى أمره بمأكل أو مشرب. فأبى الطبيب ذلك خوفا من سوء العاقبة. ويقال إنّ الحافظ توصّل إلى أن سمّ يانس فى ماء المستراح، فانفتح دبره واتّسع حتى ما بقى يقدر على الجلوس (٢). فقال الطبيب: يا أمير المؤمنين، قد أمكنت الفرصة وبلغت مقصودك، فلو أنّ مولانا عاده فى هذه المرضة اكتسبت حسن الأحدوثة؛ وهذا المرض ليس دواؤه إلاّ السّكون ولا شيء أضرّ عليه من الحركة والانزعاج، وهو كما يسمع بقصد مولانا تحرّك واهتمّ بلقائه وانزعج، وفى ذلك تلاف نفسه. فقبل ذلك وجاء لعيادته. فلمّا رآه يانس قام للقائه وخرج عن فراشه؛ فأطال الحافظ جلوسه عنده ومحادثته، فلم يقم حتى سقطت أمعاؤه، ومات من ليلته، فى سادس عشرى ذى الحجّة.

وكانت وزارته تسعة أشهر وأيّاما. وترك ولدين كفلهما الحافظ.

وكان يانس هذا قد أهداه باديس (٣) جدّ عبّاس الوزير - الآتى ذكره إن شاء الله تعالى - إلى الأفضل بن أمير الجيوش فترقى فى الخدم إلى أن تأمّر وتقدّم وولى الباب، وهى أعظم رتب الأمراء، وكنى بأبى الفتح ولقب بالسّعيد؛ ثم نعت فى وزارته بناصر الجيوش سيف الإسلام. وكان عظيم الهمّة بعيد الغور، كثير الشرّ، شديد الهيبة.


(١) زيد ما بين القوسين للتوضيح.
(٢) يقول ابن الأثير: وضع له خادمه فى بيت الطهارة ماء مسموما، فاغتسل به، فوقع الدود فى سفله، وقيل له متى قمت من مكانك هلكت. فكان يعالج بأن يجعل اللحم الطرى فى المحل فيتعلق به الدود فيخرج، فيجعل عوضه لحم آخر حتى قارب الشفاء، ثم زاره الحافظ … إلخ. ويروى النويرى مثل هذا. الكامل: ٢٤٠:١٠؛ نهاية الأرب: ٢٨.
(٣) باديس: أبو المناد، بن المنصور بن يوسف بن بلكين بن زيرى، صاحب إفريقية على زمن الحاكم بأمر الله نيابة عنه، تولى أمر إفريقية بين سنتى ٣٨٦ - ٤٠٦ (٩٩٦ - ١٠١٥). ومن هذا يتبين أنه يتعسر قبول ما ذكره المؤلف من أن باديس هذا أهدى يانس الأرمنى المذكور إلى الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالى. وفيات الأعيان: ٨٦:١ - ٨٧؛ معجم الأنساب؛ Mohammadan Dynasties .