إليها. ففى أثناء ذلك اشتدت شوكتها، وكفّ الناس عن الاستقصاء فى المسألة. وأحضرت ابن دوّاس وواطأته على أخذ البيعة للظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم، وأظهرته وعلى رأسه تاج جدّه العزيز. وقام ابن دوّاس فقال لمن حضر من أهل الدولة، تقول لكم مولاتنا هذا مولاكم فسلّموا عليه. وقبل ابن دوّاس الأرض، فبايع الناس إلا غلاما تركيا كان عمل ليلا بين يدى الحاكم فإنّه قال: لا أبايع حتى أعرف خبر مولاى. فقتل، وقام ابن دوّاس بتدبير الأمر. ثم إن ست الملك دسّت عليه وقتلته وقتلت جميع من اطّلع على سرها، وقتلت جماعة خافتهم. ثم لم تطل أيامها وماتت بعد أيام.
قال ابن أبى طى لما ذكر هذا الخبر فى كيفية قتل الحاكم: وكان الحاكم شديد السطوة، عظيم الهيبة جريئا على سفك الدماء. خطب له على منابر مصر والشام وإفريقية.
وكان يتشبه بالمأمون ويقصد مقاصده واشتغل بعلوم الأوائل، واعتدّ بعلوم النجوم، وعمل له رصدا، ووقف الكواكب، واتخذ بيتا بالمقطم ينقطع فيه عن الناس ويخلو لمخاطبة الكواكب. وكان يركب الحمار وعليه ثياب الرّهبان، ووراءه غلام اسمه مفلح يحمل الدّواة والسّيف والورق فى كيس معلّق فى كتفه وهو يمشى وراءه؛ فإذا مرّ بسوق انهزم الناس واستتروا عنه، ويطرق أبواب الحوانيت فلا ينظرون إليه، إلاّ أن يكون لأحد منهم حاجة فإنّه يقف عليه ويكتب العبد بين يديه ما يأمره به فى رقعة إلى الوزير.
وكان لا يحضره الجيش إلا فى الأعياد، فيركب فى ذلك اليوم بثيابه على الفرس.
وكان مهابا عند أهل مملكته، وكان لا يحضر مجالس الجدل ويحتجب أياما كثيرة مشتغلا بما هو فيه، وكان له سعى فى إظهار كلمته، فبعث دعاته إلى خراسان وأقام فيها مذهب الشيعة، واستجاب له عالم عظيم؛ فبعث إلى البلاد بالأموال فى استمالة الرجال إلى ما يريد.