للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أبو عبد الله أنوشتّكين النّجارى (١) الدّرزى أول رجل تكلم بدعوته، وأمر برفع ما جاء به الشرع، وسيّر مذهبه إلى بلاد الشام والساحل، ولهم مذهب فى كتمان السّرّ لا يطلعون عليه من ليس منهم. وكان الدرزى يبيح البنات والأمهات والأخوات. فقام الناس عليه بمصر وقتلوه، فقتل الحاكم به سبعين رجلا. وأنفذ الدّرزى إلى الحجر الأسود برجل ضربه وكسره؛ وادعى الربوبية. وقدم رجل يقال له يحيى اللباد، ويعرف بالزّوزنى الأخرم، (٢) فساعده على ذلك، ونشط جماعة على الخروج عن الشريعة.

وركب يوما من القاهرة فى خمسين رجلا من أصحابه إلى مصر، ودخل الجامع بدابّته، وأصحابه كذلك، فسلم إلى القاضى رقعة فيها: باسم الحاكم الرحمن الرحيم، فأنكر القاضى ذلك، وثار الناس بهم وقتلوهم، وشاع هذا فى الناس فلعنوه (٣). ويقال إنه خرج يوما وعليه قباء أطلس وفى وسطه سيف، فخلع القباء وقال: هذا الظاهر قد خلعته، ثم جرّد السيف وقال: هذا الباطن قد سللته.

قال: وفى السنة التى قتل فيها الحاكم أشاع أنه يريد أن ينزل فى أول رمضان إلى الجامع ومعه الطعام، فمن أبى الأكل قتله. وكان دعاته إذا ركب يقولون: السلام عليك يا واحد يا أحد، ويغلون فيه الغلوّ المفرط. وادّعى أنه حصل له كتاب الجفر. ولما غلب على الحرمين وعد العلويين أهل المدينة إذا هم مكّنوه من فتح دار جعفر بن محمد الصادق بوعود كثيرة، ففتحها، وكانت مغلقة، فإذا فيها قعب خشب ومصحف وسرير سعف وقدرة؛ ولم تكن


(١) ولقب نفسه سند الهادى وحياة المستجيبين. نهاية الأرب.
(٢) فى نهاية الأرب أن الأخرم شخص آخر يسمى حسن بن حيدرة الفرغانى، وقد ظهر قبل أنوشتكين النجارى، فى سنة ٤٠٩، وبينما كان يسير فى موكبه فى أحد الأيام تقدم إليه رجل من الكرخ وأوقعه عن فرسه ووالى الضرب عليه حتى قتله؛ فأمر الحاكم بقتله لوقته، ونهب الناس دار الأخرم بالقاهرة. نفس المصدر.
(٣) واسم القاضى - قاضى القضاة - أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبى العوام. توفى سنة ٤١٨. النجوم الزاهرة: ١٨٣:٤: حاشية ٣ نقلا عن الكندى.