ولىّ عهده فى السلطنة» - أى الوزارة - وبدأت السلطة تنتقل فعلا ورسميّا من أيدى الوزراء إلى أيدى الخلفاء، وأصبح هؤلاء ألعوبة فى أيدى أولئك يحجرون عليهم ويتحكمون فى مصائرهم كما يريدون.
٣ - ولا ينتظر فى ظلّ الاضطرابات التى عمّت البلاد فى القسم الأكبر من عصر المستنصر، ثم فى ظل المحاولات التى بدأها الجمالى للإصلاح الداخلى فى مصر أن تستطيع الدولة الاحتفاظ بقبضتها قويّة على الشام أو بنفوذها محسوسا واضحا فى المغرب. إنّ منطق التطوّر فى ظلّ هذه الظروف يقضى انحسار النفوذ الفاطمىّ تدريجيا عن هذه البلاد وتلك الأقاليم. وهذا ما حدث فعلا، إذ تقدّم السّلاجقة من الشّرق، ومدّوا سلطانهم إلى بلاد الشام، واستقرّوا فى معظم أنحائها، ولم يبق فى أيدى الفاطميين إلاّ بعض المدن الساحلية (١).
وآخر النّقاط التى تلفت النّظر بفضل المقريزى الّذى أشار إليها فى مناسباتها نقطة ذات شعبتين.
أولاهما مظهر من مظاهر إقامة شعائر المذهب الفاطمى فى صورة من صوره، هى طريقة إعلان بدء الشهور القمريّة وبخاصة فى مواسم رمضان والعيدين، ذلك أنّ الفاطميين كانوا لا يتقيّدون برؤية الهلال ولا يحكّمونها فى إعلان دخول الشهر الجديد وإنما كانوا يحتكمون معها إلى الحساب ويقولون: الرؤية والحساب كالظاهر والباطن، فالهلال كالظاهر لأنه مشاهد، والحساب كالباطن لأنّه معقول. وقضيّة «الظاهر والباطن» هذه قضية أساسية فى مذاهب الشيعة جميعا، ولها فى الدعوة الإسماعيليّة والفاطميّة أهمية بالغة.
وتطبيقا لهذه القاعدة نجد المقريزى يذكر فى هذا الكتاب:
(١) ثم تقع الأحداث الخطيرة التى يأتى تفصيلها - بعون الله - فى الجزء الثالث من هذا الكتاب، والتى تتمثل فى الصدام العنيف بين الشرق والغرب فى شكل الحروب الصليبية.