وسماع المعنى»؛ وفى كلتا الحالتين نستند إلى الأحداث التى سجّلها المقريزى نفسه فى كتابه هذا بتفصيل وتطويل.
***
أمّا الشدة العظمى التى حدثت أيام المستنصر بالله فيكفى فى توضيح بعض ظروفها أن نقتبس قول المقريزى:« … ولم يكن هذا الغلاء عن قصور مدّ النّيل فقط، وإنما كان من اختلاف الكلمة ومحاربة الأجناد بعضهم مع بعض، وكان الجند عدّة طوائف مختلفة الأجناس: فتغلبت لواتة والمغاربة على الوجه البحرى، وتغلب السّودان على أرض الصّعيد، وتغلّب الملثّمة والأتراك بمصر والقاهرة، وتحاربوا فكانت السبع سنين المذكورة يمدّ فيها النيل ويطلع وينزل فى أوقاته، فلا يوجد فى الإقليم من يزرع الأراضى، ولا من يقيم جسوره، من كثرة الاختلاف وتواتر الحروب.
ولم يوجد ما يبذر فى الأراضى للزراعة، فإن القمح ارتفع الأردب منه من ثمانين دينارا إلى مائتى دينار، ثم نفد فلم يقدر عليه».
١ - فكيف يستطيع المستنصر مواجهة هذه المشكلة وهو الذى كان قد بدأ عهده فى الخلافة طفلا صغيرا، فى السابعة من عمره، خاضعا لوصاية الأوصياء المتنافسين فيما بينهم، الحريصين على الاحتفاظ بالنفوذ والسّلطان فى قبضة أيديهم؛ ولم يستطع الخليفة التصرّف فى الدّولة إلاّ بعد أن أفلت الزّمام من أيديهم، وعند ما حدث هذا لم يجد من رجال الدولة القادرين من يعينه على الإصلاح، فاضطرّ إلى تغيير وزرائه أربعين مرة فى تسع سنوات.
٢ - وكيف يستطيع بدر الجمالى، أمير الجيوش، الّذى استغاث المستنصر به واستقدمه من الشام أن يباشر سلطاته إلاّ إذا اطمأنّ إلى قدرته على التصرّف بحرية فى مواجهة مشكلات الجيش والقصر وتدهور الاقتصاد؟ ولقد طمأنه الخليفة ومنحه الحريّة التى كان يطمع فيها، و «فوّضه» فى التصرف بما يرى فيه صالح الدّولة والخلافة. ونجح الجمالى فى مهمته وتوّج نجاحه بأن «استناب ابنه وجعله