للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أنفذ إلى القرمطى يقول له:

«ويلك، ظننتنى كمن لقيك أبرز لك رجالى، والله ما يسرنى أن أظفر بك بقتل رجل مسلم من أصحابى، ولكنى أطاولك وأمنعك مأكولا ومشروبا حتى آخذك أخذا بيدى إن شاء الله».

وأنفذ يلبق فى جيش للإيقاع بمن فى قصر ابن هبيرة، فعظم ذلك على القرمطى فاضطرب، وأخذ أصحابه يحتالون فى الهرب، وتركوا مضاربهم، فنهب مؤنس ما خلّفوه، وسار جيش القرمطى من غربى الفرات، وسار مؤنس من شرقيه، إلى أن وافى القرمطى الرّحبة، ومؤنس يحتال فى إرسال زواريق فيها فاكهة مسمومة (١)، فكان القرامطة يأخذونها، فكثرت الميتة فيهم، وكثر بهم الذّرب، وظهر جهدهم، فكروا راجعين وقد قل (٢) الظهر معهم، فقاتلوا أهل هيت وانصرفوا مفلولين، فدخل الكوفة على حال ضعف وجراحات وعلل - لثلاث خلون من رمضان سنة ست عشرة وثلاثمائة - فأقام بها إلى مستهل ذى الحجة، ولم يقتل ولا نهب، ثم رحل.

فلما كان فى سنة سبع عشرة رحل بجيشه، فوافى مكة لثمان خلون من ذى الحجة، فقتل الناس فى المسجد قتلا ذريعا، ونهب الكعبة، وأخذ كسوتها [وحليها] (٣)، ونزع الباب وستائره، وأظهر الاستخفاف به، وقلع الحجر الأسود وأخذه معه - وظن أنه مغناطيس القلوب -، وأخذ الميزاب أيضا.

وعاد إلى بلده فى المحرم سنة ثمانى عشرة وقد أصابه كدّ شديد، وقد أخذ ستة وعشرين ألف حمل خفا، وضرب آلاتهم وأثقالهم بالنار، واستملك من النساء والغلمان والصبيان.

ما ضاق بهم الفضاء كثرة (٤)، وحاصرته هذيل فأشرف على الهلكة حتى عدل به دليل إلى غير الطريق المعروف إلى بلده.

فلما كان فى شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة سار إلى الكوفة، فعاث عسكره فى


(١) الأصل: «مشمومة»، والتصحيح عن (ج).
(٢) كذا فى الأصل، وفى (ج): «فل».
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة عن (ج).
(٤) ج: «ما ضاق بهم النعت».