السواد، وأسروا خلقا، واشتروا أمتعة، ورجعوا - بعد خمسين ليلة أقاموا بها - إلى بلدهم.
وبعث أبو طاهر سريّة فى البحر نحو أربعين مركبا فوضعوا السيف فى أهل الساحل، ولم يلقوا أحدا إلا قتلوه - من رجل وامرأة وصبى - فما نجا منهم إلا من لحق بالجبال، وسبوا النساء، واجتمع الناس، فقتلوا منهم - فى الحرب معهم - خلقا كثيرا، وأسروا جماعة، ثم تحاملوا عليهم، وتبادوا بالشهادة، وجدوا فقتلوا أكثرهم، وأخذوا جميع من بقى أسرا بحيث لم يفلت منهم أحد، وحملت الأسرى إلى بغداد مع الرءوس - وهم نحو المائة رجل ومائة رأس - فحبسوا ببغداد.
ثم خلصوا وصاروا إلى أبى طاهر فكانوا يتحدثون بعد خلاصهم إلى أبى طاهر أن كثيرا من الكبراء وغيرهم كانوا يرسلون إليهم بما يتقربون به إليهم، وكان سبب خلاصهم مكاتبة جرت بينهم بالمهادنة على أن يردوا الحجر الأسود، ويطلق الأسرى، ولا يعترضوا الحاج، فجرى الأمر على ذلك.
ودخل القرمطى - فى سنة ثلاث وعشرين - إلى الكوفة والحاج قد خرج فى ذى القعدة، وعاد الحاج إلى الكوفة، ولم يقدر على مقاومتهم، فظفر بمن ظفر منهم، فلم يكثر القتل، وأخذ ما وجد.
وبلغ القرمطى أن رجلا من أصحابه قال:
«والله ما ندرى ما عند سيدنا أبى طاهر من تمزيق هؤلاء الذين من شرق الأرض وغربها، واتخاذهم ومن وراءهم أعداء، وما يفوز بأكثر أموالهم إلا الأعراب والشّذاذ من الناس، فلو أنه حين ظفر بهم دعاهم إلى أن يؤدى كل رجل منهم دينارا ويطلقهم ويؤمنهم لم يكره ذلك منهم أحد، وخفّ عليهم وسهل، وحجّ الناس من كل بلد، لأنهم ظمأى إلى ذلك جدا، ولم يبق ملك إلا كاتبه وهاداه واحتاج إليه فى حفظ أهل بلده وخاصته، وجاء فى كل سنة من المال ما لا يصير لسلطان مثله من الخراج، واستولى على الأرض وانقاد له الناس؛ وإن منع من ذلك سلطان اكتسب المذمة، وصار عند الناس هو المانع من الحج».
فاستصوب القرمطى هذا الرأى، ونادى من وقته فى الناس بالأمان، وأحضر الخراسانية،