لثلاث عشرة (١) خلت من ذى القعدة، فناوشه الناس وانكفأ راجعا، ثم باكرهم بالقتال وخرجت إليه جيوش السلطان، فقاتلهم وهزمهم، وقتل قوادهم وكثيرا من العامة، ونهب البلد إلى العشرين منه، فرحل عن البلد.
فلما كان فى سنة خمس عشرة وثلاثمائة خرج القرمطى من بلده لقتال ابن أبى الساج، وقد كان السلطان أنزله فى جيش كثير بواسط ليسير إلى بلد القرمطى، فاستصعب مسيره لكثرة من معه، وثقل عليه سيره فى أرض قفر، فاحتال على القرمطى، وكاتبه باظهار المواطأة، وأطمعه فى أخذ بغداد ومعاضدته، فاغتر بذلك، ورحل بعيال وحشم وأتباع، وجيشه على أقوى ما يمكنه، وأقبل يريد الكوفة.
ورحل ابن أبى الساج بجيشه عن واسط إلى الكوفة، وقد سبقه القرمطى، ودخلها لسبع خلون من شوال، فاستولى عليها، وأخذ منها الميرة، وأعد ما يحتاج إليه؛ وأقبل ابن أبى الساج على غير تعبئة، وعبر مستهينا بأمر القرمطى مستحقرا له، ثم واقعه وهو فى جيش يضيق عنه موضعه، ولا يملك تدبيره، وقد تفرق عنه عسكره، وركبوا - من نهب القرى وأذى الناس وإظهار الفجور - شيئا كثيرا، فأقبل إليه القرمطى وقاتله، فانهزمت عساكر ابن أبى الساج بعد ما كثرت بينهما القتلى والجراح، فقتلوا الناس قتلا ذريعا حتى صاروا فى بساط واحد نحو فرسخين أو أربع، واحتوى على عسكره، ونهب الأكرة من أهل السواد ما قدروا عليه، وأقام أربعين يوما؛ وخرج بعد أن يئس من مجيء عسكر إليه، فقصد بغداد، ونزل بسواد الأنبار، وعبر الفرات إلى الجانب الغربى، وتوجه بين الفرات ودجلة يريد بغداد، فجيّش الجيش إليه؛ وسار مؤنس حتى نازله على نحو ثلاثة فراسخ من بغداد، وقاتل القرامطة قتالا شديدا، وورد كتاب المقتدر يأمر مؤنسا بمعاجلته القتال، ويذكر ما لزم من صرف الأموال إلى وقت وصوله.
فكتب إليه:«إن فى مقامنا - أطال الله بقاء مولانا - نفقة المال، وفى لقائنا نفقة الرجال؛ ونحن أحرياء باختيار نفقة المال على نفقة الرجال».