للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم خرج رجل من بنى عجل قرمطىّ يقال له محمد بن قطبة، فاجتمع عليه نحو مائة رجل، فمضى بهم نحو واسط، فنهب وأفسد فخرج إليه آمر الناحية، فقتلهم وأسرهم.

ثم خمدت أحوال القرامطة إلى أن تحرك أبو طاهر بن أبى سعيد الجنّابى، وعمل على أخذ البصرة سنة عشر وثلاثمائة، فعمل سلالم عراضا يصعد على كل مرقاة اثنان سورافيت (١)، إذا احتيج إليها نصبت، وتخلع إذا حملت، فرحل يريد البصرة، فلما قاربها فرّق السلاح، وحشى الغرائر بالرمل، وحملها على الجمال، فسار إلى السور قبل الفجر، فوضع السلالم، وصعد عليها قوم، ونزلوا فوضعوا السيف وكسروا الأقفال، فدخل الجيش، فأول ما عملوا أن طرحوا الرمل المحمول فى الأبواب ليمنع من غلقها، وبدر لهم الناس ومعهم الأمير، فقاتلوا وقتل الأمير، فأقاموا النهار يقتتلون حتى حجز بينهم الظلام، فخرجوا وقد قتل من الناس مقتلة عظيمة، فباتوا ثم باكروا البلد فقتلوا ونهبوا.

ثم رحلوا إلى الأحساء، فأنفذ السلطان عسكرا - وكان أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان قد قلّد أعمال الكوفة والسواد وطريق مكة - فدخل (٢) فى أثرهم وأسر منهم وعاد.

فلما قدمت قوافل الحاج اعترضها أبو طاهر القرمطى فقتل منهم؛ وأدركهم أبو الهيجاء ابن حمدان بجيوش كثيرة، فحملت القرامطة عليهم فهزموهم، وأخذ أبو الهيجاء أسيرا، فلما رآه أبو طاهر تضاحك وقال له:

«جئناك عبد الله، ولم نكلفك قصدنا».

فتلطف له أبو الهيجاء حتى استأمنه، وأمر بتمييز الحاج، وعزل الجمالين والصناع ناحية، فأخذوا ما مع الحاج وخلوهم، فردوا بشرّ حال فى صورة الموتى، ورحل من الغد من بعد أن أخذ من أبى الهيجاء وحده نحو عشرين ألف دينار مع أموال لا تحصى كثرة، ثم أطلق أبا الهيجاء بعد أشهر، فورد بغداد.

فلما كان فى سنة اثنتى عشرة وثلاثمائة خرج من بغداد جيش كثيف لحفظ الحاج، فلقى أبو طاهر القرمطى الحاج بالعقبة، فرجع الحاج إلى الكوفة، فتبعهم القرمطى حتى نزل بظاهرها


(١) كذا فى الأصل، وفى (ج): «بزرا فبن».
(٢) (ج): «فزحل».