للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمنجنيقات (١)، وقتل من أهلها خلق كثير.

فلما كان فى شهر رمضان مات القائم، وقام من بعده ابنه المنصور، فكتم موت أبيه خوفا من أبى يزيد، وعمل المراكب وشحنها بالرجال، وسيّرها إلى سوسة، وسار بنفسه إليها، ثم عاد، وقدمت المراكب فواقعت أبا يزيد حتى انهزم هو وأصحابه، وأحرقوا خيامه، فدخل أبو يزيد إلى القيروان: وفرّ البربر على وجوههم، فمات أكثرهم جوعا وعطشا.

ومنع أهل القيروان أبا يزيد من دخول البلد، وحصروا عامله بها، فالتحق به، وأخذ أبو يزيد امرأته - أم أيوب -، وتبعه أصحابه بعيالاتهم على سببية، - وهى على يومين من القيروان - فنزلوها.

[و] سار المنصور إلى مدينة سوسة لسبع بقين من شوال، وبعث فنادى فى الناس بالأمان، ورحل إلى القيروان لست بقين من شوال، فخرج إليه الناس فأمّنهم، ووجد بالقيروان حرما وأولادا لأبى يزيد، فحملهم [إلى المهدية] وأجرى عليهم الأرزاق.

وجمع أبو زيد العساكر، وبعث سريّة يتخبرون له، فأرسل إليهم المنصور سرية، فالتقوا واقتتلوا، وهزموا أصحاب المنصور، وبلغ الناس، ذلك فتسرعوا إلى أبى يزيد وكثر جمعه، وزحف إلى القيروان، فواقعه المنصور حتى ظفر، وباشر بنفسه القتال، وجعل يحمل يمينا وشمالا، والمظلة (٢) على رأسه كالعلم، ومعه نحو خمسمائة فارس، وأبو يزيد فى قدر


(١) المنجنيق - بفتح الميم وكسرها - أو المنجنوق، أو المنجنيق، والجمع مجانيق ومناجيق لفظ أعجمى معرب، وهو آلة من آلات الحصار فى العصور الوسطى، وقد وصفه صاحب صبح الأعشى (ج ٢، ص ١٤٤) بأنه آلة خشب لها دفتان قائمتان بينهما سهم طويل، رأسه ثقيل، وذنبه خفيف تجعل كفة المنجنيق التى يجعل فيها الحجر يجذب حتى ترفع أسافله على أعاليه، ثم يرسل فيرتفع ذنبه الذى فيه الكفة فيخرج الحجر منه، فما أصاب شيئا الا أهلكه
وانظر أيضا لتفسير اللفظ وأصله اللغوى: (الجواليقى: المعرب، ص ٣٠٥ - ٣٠٧)، وفى (كتاب آثار الأول، ص ١٩١ - ١٩٣) وصف واف ممتع للمنجنيق وطرق استعماله. انظر أيضا: (نعمان ثابت: الجندية فى الدولة العباسية، ص ١٩٠ - ١٩٣).
(٢) عرف (القلقشندى: صبح الاعشى، ج ٤، ص ٧ و ٨) المظلة بأنها قبة من حرير أصفر مزركش بالذهب، على أعلاها طائر من فضة، مطلية بالذهب، تحمل على رأس السلطان فى العيدين، ثم قال بأنها كانت تستعمل فى العهد المملوكى، وأنها من بقايا الدولة الفاطمية، ويفهم من المتن هنا أنهم كانوا يستعملونها فى المغرب أولا، انظر أيضا (نفس المرجع، ج ٣، ص ٤٦٩).