ثلاثين ألفا، فانهزم أصحاب المنصور هزيمة عظيمة حتى دخلوا الخندق، وبقى المنصور فى نحو عشرين فارسا وقصده أبو يزيد، فلما رآه شهر سيفه، وثبت مكانه، وحمل بنفسه على أبى يزيد، حتى كاد يقتله، فولى أبو يزيد هاربا، وقتل المنصور من أدرك منهم، وتلاحقت به العساكر، فقتل من أصحاب أبى يزيد خلقا كثيرا.
وكان يوما من الأيام المشهودة التى لم يكن فيما مضى من الأيام مثله، وعاين الناس من شجاعة المنصور ما لم يظنوه، فزادت مهابته فى قلوبهم.
ورحل أبو يزيد عن القيروان أواخر ذى القعدة، ثم عاد إليها غير مرّة، فلم يخرج إليه أحد، [و] نادى المنصور:
«من أتى برأس أبى يزيد فله عشرة آلاف دينار».
وأذن للناس فى قتال أبى زيد، فجرى قتال شديد انهزم فيه أصحاب المنصور حتى دخلوا الخندق، ثم عادوا فهزموا أصحاب أبى يزيد، وافترقوا وقد انتصف بعضهم من بعض، وكثرت القتلى من الفريقين، وعادت الحرب بينهما غير مرة، وأبو يزيد يبعث السرايا فيقطع الطريق بين المهدية والقيروان وسوسة.
ثم إنه بعث إلى المنصور يسأل حرمه وعياله الذين خلّفهم بالقيروان وأخذهم المنصور، ليدخل فى طاعته، على أن يؤمنه وأصحابه، وحلف على ذلك بأغلظ الأيمان، فسيّر إليه المنصور عياله مكرمين، بعد أن وصلهم وكساهم، فلما وصلوا إليه نكث، وقال:
«انما وجّههم خوفا منى».
[و] انقضت سنة أربع وثلاثين وهم على حالهم.
ففى خامس المحرم سنة خمس وثلاثين زحف أبو يزيد، وركب المنصور، وكان بينهما قتال ما سمع بمثله، وحملت البربر على المنصور، وحمل عليها، وجعل يضرب فيهم، فانهزموا بعد أن قتل خلق كثير.
فلما انتصف المحرم عبّى المنصور عسكره، فجعل على ميمنته أهل إفريقية، وعلى ميسرته كتامة، وركب فى القلب ومعه عبيده وخاصته، فوقع بين الفريقين قتال شديد،