للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبل دحو (١) الأرض ورفع السماء، ثمّ أشاع نورا من نوره، فلمع قبس من ضيائه، فسطع ثم اجتمع النّور في وسط تلك الصور الخفيّة فوافق ذلك صورة نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم، فقال الله عزّ وجلّ له: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطّح البطحاء وأموّج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعذاب - في حديث طويل - ثم إنّ الله تعالى ضمّن ذلك النور نطفة في صلب آدم، ثمّ لم يزل ينتقل في الأصلاب الزّكيّة إلى الأرحام الطاهرة حتى برز إلى الوجود فاستنارت به الآفاق، كما قال العبّاس رضي الله عنه في مدحه صلى الله عليه وسلم:

وأنت لمّا ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق ... فنحن في ذلك الضياء، وفي النّور، وسبل الرّشاد نخترق

ف‍ «المشكوة» هنا كناية عن أصلاب آبائه و {(الزُّجاجَةُ)} صدره، و {(الْمِصْباحُ)} قلبه، والشجرة المباركة جدّه إبراهيم عليه السلام فكان محمّد صلّى الله عليه وسلم نورا أولا وهو كذلك أبدا، فجسمه عليه السلام نور، وصدره نور، ومعرفته نور، وقوله نور وفعله نور، فهو نور على نور، ولهذا كان (٢) عليه السلام لا ظلّ له، وكان كلّه وجها يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وكان يبصر في الظّلمة كما يبصر في الضوء صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم.


(١) الدحو: البسط، ومنه قوله تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها. اللسان: ١٤/ ٢٥١ مادة (دحا)، ترتيب القاموس المحيط: ٢/ ١٥٨ مادة (دحو).
(٢) الصحيح أن للرسول صلى الله عليه وسلم ظلاّ كبقية بني آدم جاء ذلك في الأحاديث التي أخرجها الإمام أحمد في المسند عن عائشة رضي الله عنها. والشاهد فيها هو: قالت زينب: «فبينما أنا يوما بنصف النهار وإذا أنا بظل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل ... إلخ». وفي رواية أخرى، قالت: فإذا أنا بظله يوما بنصف النهار، المسند: ٦/ ١٣٢، ٢٦١. وقد أورد الهيثمي في مجمع الزوائد: ٤/ ٣٢١، ٣٢٣ نحو هذه الروايات، وقال: رواه أحمد وفيه سمية روى لها أبو داود وغيره ولم يضعفها أحد وبقية رجاله ثقات. وقال أيضا في: ٤/ ٣٢٣: «رواه الطبراني في الأوسط وفيه سمية روى لها أبو داود وغيره ولم يجرحها أحد، وبقية رجاله ثقات»، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>