كَمَا قَالَ فِي حَنْظَلَةَ: رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ وَكَانَ قُتِلَ وَهُوَ جُنُبٌ.
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى فُتُوحِ مُسْتَقْبَلٍ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ.
الثَّلَاثُونَ: اطِّلَاعُهُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي الدُّنْيَا.
الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْفِرَاسَةُ.
الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: طَوَاعِيَةُ الشَّجَرَةِ حَتَّى انْتَقَلَتْ بِعُرُوقِهَا وَغُصُونِهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ثُمَّ رَجَعَتْ.
الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قِصَّةُ الظَّبْيَةِ وَشَكْوَاهَا لَهُ ضَرُورَةَ خِشْفِهَا الصَّغِيرِ.
الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا بِحَيْثُ لَا تُخْطِئُ.
الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْحَزْرُ فِي الرُّطَبِ وَهُوَ عَلَى النَّخْلِ أَنَّهُ يَجِيءُ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا مِنَ التَّمْرِ فَجَاءَ كَمَا قَالَ.
السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْهِدَايَةُ إِلَى الْأَحْكَامِ.
السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْهِدَايَةُ إِلَى سِيَاسَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْهِدَايَةُ إِلَى هَيْئَةِ الْعَالَمِ وَتَرْكِيبِهِ.
التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْهِدَايَةُ إِلَى مَصَالِحِ الْبَدَنِ بِأَنْوَاعِ الطِّبِّ
الْأَرْبَعُونَ: الْهِدَايَةُ إِلَى وُجُوهِ الْقُرُبَاتِ.
الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْهِدَايَةُ إِلَى الصِّنَاعَاتِ النَّافِعَةِ.
الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا سَيَكُونُ. الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ.
الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: التَّوْقِيفُ عَلَى أَسْرَارِ النَّاسِ وَمُخَبَّآتِهِمْ.
الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: تَعْلِيمُ طُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ.
السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: الِاطِّلَاعُ عَلَى طَرِيقِ التَّلَطُّفِ فِي الْمُعَاشَرَةِ.
قَالَ: فَقَدْ بَلَغَتْ خَصَائِصُ النُّبُوَّةِ فِيمَا مَرْجِعُهُ الْعِلْمُ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ وَجْهًا لَيْسَ مِنْهَا وَجْهٌ إِلَّا وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِبًا لِلرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالْكَثِيرُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ لَكِنَّهُ لِلنَّبِيِّ لَا يُخْطِئُ أَصْلًا وَلِغَيْرِهِ قَدْ يَقَعُ فِيهِ الْخَطَأُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْفَقْرِ وَالزُّهْدِ مِنَ الْإِحْيَاءِ، لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَفِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَفَاوُتِ دَرَجَاتِ الْفُقَرَاءِ فَكَانَ الْفَقِيرُ الْحَرِيصُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ الْفَقِيرِ الزَّاهِدِ لِأَنَّ هَذِهِ نِسْبَةُ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْخَمْسمِائَةِ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّبِيِّ ﷺ يَتَجَزَّأُ عَلَى لِسَانِهِ كَيْفَ مَا اتَّفَقَ بَلْ لَا يَنْطِقُ إِلَّا بِحَقِيقَةِ الْحَقِّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ تَقْدِيرُ تَحْقِيقٍ، لَكِنْ لَيْسَ فِي قُوَّةِ غَيْرِهِ أَنْ يَعْرِفَ عِلَّةَ تِلْكَ النِّسْبَةِ إِلَّا بِتَخْمِينٍ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النَّبِيُّ وَيُفَارِقُ بِهِ غَيْرَهُ.
وَهُوَ يَخْتَصُّ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْخَوَاصِّ مِنْهَا أَنَّهُ يَعْرِفُ حِقَاقَ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ لَا كَمَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بَلْ عِنْدَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَعْلُومَاتِ وَزِيَادَةِ الْيَقِينِ وَالتَّحْقِيقِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَهُ صِفَةٌ تَتِمُّ لَهُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَاتِ كَالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا تَتِمُّ لِغَيْرِهِ الْحَرَكَاتُ الِاخْتِيَارِيَّةُ، وَلَهُ صِفَةٌ يُبْصِرُ بِهَا الْمَلَائِكَةَ وَيُشَاهِدُ بِهَا الْمَلَكُوتَ كَالصِّفَةِ الَّتِي يُفَارِقُ بِهَا الْبَصِيرُ الْأَعْمَى، وَلَهُ صِفَةٌ بِهَا يُدْرِكُ مَا سَيَكُونُ فِي الْغَيْبِ وَيُطَالِعُ بِهَا مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَالصِّفَةِ الَّتِي يُفَارِقُ بِهَا الذَّكِيُّ الْبَلِيدَ، فَهَذِهِ صِفَاتُ كَمَالَاتٍ ثَابِتَةٌ لِلنَّبِيِّ يُمْكِنُ انْقِسَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَى أَقْسَامٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَقْسِمَهَا إِلَى أَرْبَعِينَ وَإِلَى خَمْسِينَ وَإِلَى أَكْثَرَ، وَكَذَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقْسِمَهَا إِلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا بِحَيْثُ تَقَعُ الرُّؤْيَا الصَّحِيحَةُ جُزْءًا مِنْ جُمْلَتِهَا لَكِنْ لَا يَرْجِعُ إِلَّا إِلَى ظَنٍّ وَتَخْمِينٍ لَا أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ ﷺ حَقِيقَةً، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَأَظُنُّهُ أَشَارَ إِلَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ فَإِنَّهُ مَعَ تَكَلُّفِهِ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمُرَادُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَمَّا كَانَتِ النُّبُوَّةُ تَتَضَمَّنُ اطِّلَاعًا عَلَى أُمُورٍ يَظْهَرُ تَحْقِيقُهَا فِيمَا بَعْدُ وَقَعَ تَشْبِيهُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ بِهَا، وَقِيلَ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ نُبُوَّتُهُمْ وَحْيًا فِي الْمَنَامِ فَقَطْ، وَأَكْثَرُهُمُ ابْتُدِئَ بِالْوَحْيِ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ رَقُوا إِلَى الْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ؛ فَهَذَا بَيَانُ مُنَاسَبَةِ تَشْبِيهِ الْمَنَامِ الصَّادِقِ بِالنُّبُوَّةِ، وَأَمَّا خُصُوصُ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ فَذَكَرَ الْمُنَاسَبَةَ الْأُولَى وَهِيَ أَنَّ مُدَّةَ وَحْيِ الْمَنَامِ إِلَى نَبِيِّنَا كَانَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ اخْتَلَفَتْ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قَالَ: فَعَلَى هَذَا تَكُونُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ مُخْتَلِفَةً بِأَعْلَاهَا سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَأَدْنَاهَا سَبْعُونَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُنَاسَبَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّبَرِيُّ.