١٦ - بَاب إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلًا كَفَاهُ، وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ: وَجَدْتُ مَنْبُوذًا فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَالَ: عَسَى الْغُويرُ أَبْؤُسًا، كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي. قَالَ عَرِيفِي: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ: كَذَلكَ، اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ.
٢٦٦٢ - حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ (مِرَارًا)، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا. إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ.
[الحديث ٢٦٦٢ - طرفاه في: ٦٠٦١، ٦١٦٢]
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلًا كَفَاهُ) تَرْجَمَ فِي أَوَائِلِ الشَّهَادَاتِ تَعْدِيلُ كَمْ يَجُوزُ فَتَوَقَّفَ هُنَاكَ، وَجَزَمَ هُنَا بِالِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ، وَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْجِيهَهُ هُنَاكَ. وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي التَّزْكِيَةِ، فَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - اشْتِرَاطُ اثْنَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَاسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِطَانَةَ الْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَيُنَزَّلُ قَوْلُهُ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ، وَأَجَازَ الْأَكْثَرُ قَبُولَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا فَيَشْهَدُونَ لَهُ، قَالَ: وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الشَّهَادَةِ، أَمَّا الرِّوَايَةُ فَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْوَاحِدِ عَلَى الصَّحِيحِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ نَاقِلًا عَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يَتَعَدَّدُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَاسْمُهُ سُنَيْنٌ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونَيْنِ مُصَغَّرٌ، وَوَهَمَ مَنْ شَدَّدَ التَّحْتَانِيَّةَ كَالدَّاوُدِيِّ، وَقِيلَ: إِنَّهَا رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ، قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ فَرْقَدٌ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ سُلَمِيٌّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ ضَمْرِيٌّ، وَقِيلَ: سَلِيطِيٌّ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِي التَّابِعِينَ. وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مَا يَدُلُّ عَلَى صُحْبَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ آخَرُونَ فِي الصَّحَابَةِ، وَوَقَعَ سِيَاقُ خَبَرِهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ حَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَقَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ كَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ. وَفِي الرُّوَاةِ أَبُو جَمِيلَةَ آخَرُ اسْمُهُ مَيْسَرَةُ الطُّهَوِيُّ، بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، وَهُوَ كُوفِيٌّ رَوَى عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ اتِّفَاقًا، وَوَهَمَ مَنْ جَعَلَهُ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ كَالْكَرْمَانِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَجَدْتُ مَنْبُوذًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ أَيْ شَخْصًا مَنْبُوذًا أَيْ لَقِيطًا.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا) كَذَا لِلْأَصِيلِيِّ، وَلِأَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ. وَالْغُوَيْرُ بِالْمُعْجَمَةِ تَصْغِيرُ غَارٍ، وَأَبْؤُسًا جَمْعُ بُؤْسٍ وَهُوَ الشِّدَّةُ، وَانْتَصَبَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ عَسَى عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ، أَوْ بِإِضْمَارِ شَيْءٍ تَقْدِيرُهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا. وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَهُوَ مَثَلٌ مَشْهُورٌ يُقَالُ فِيمَا ظَاهِرُهُ السَّلَامَةُ وَيُخْشَى مِنْهُ الْعَطَبُ. وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي عِلَلِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَتَمَثَّلُونَ بِهِ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا، وَأَصْلُهُ كَمَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَّ نَاسًا دَخَلُوا غَارًا يَبِيتُونَ فِيهِ فَانْهَارَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ، وَقِيلَ وَجَدُوا فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute