للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النُّخَامَةِ (١) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لَهَا كَفَّارَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ لِهَذَا كَفَّارَةً، بَلْ عُومِلَ صَاحِبُهُ بِحِرْمَانِ اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ، وَدُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ مَرْجُوُّ الْإِجَابَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٦٢ - بَاب بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنْ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ، وَقَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى

قَوْلُهُ: (بَابُ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ) أَيِ النَّبَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ) هُوَ الْخُدْرِيُّ، وَالْقَدْرُ الْمَذْكُورُ هُنَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ فِي ذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ عُمَرُ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ قِصَّةٍ فِي ذِكْرِ تَجْدِيدِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أُكِنُّ النَّاسَ) وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا أُكِنُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَضْمُومَةِ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ مِنْ أَكَنَّ الرُّبَاعِيِّ، يُقَالُ: أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ إِكْنَانًا أَيْ صُنْتُهُ وَسَتَرْتُهُ، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ كَنَنْتُهُ مِنَ الثُّلَاثِيِّ بِمَعْنَى أَكْنَنْتُهُ، وَفَرَّقَ الْكِسَائِيُّ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: كَنَنْتُهُ أَيْ سَتَرْتُهُ، وَأَكْنَنْتُهُ فِي نَفْسِي أَيْ أَسْرَرْتُهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ أَكِنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ، فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الْإِكْنَانِ أَيْضًا، وَيُرَجِّحُهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ: وَأَمَرَ عُمَرُ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَإِيَّاكَ، وَتُوَجَّهُ الْأُولَى بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْقَوْمَ بِمَا أَرَادَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الصَّانِعِ، فَقَالَ لَهُ: وَإِيَّاكَ، أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: وَإِيَّاكَ عَلَى التَّجْرِيدِ كَأَنَّهُ خَاطَبَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، قَالَ عِيَاضٌ: وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ الْأَصِيلِيِّ، وَالْقَابِسِيِّ - أَيْ وَأَبِي ذَرٍّ - كِنَّ النَّاسَ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا. وَجَوَّزَ ابْنُ مَالِكٍ ضَمَّ الْكَافِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كُنَّ فَهُوَ مَكْنُونٌ. انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجَهٌ، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ لَا تُسَاعِدُهُ.

قَوْلُهُ: (فَتَفْتِنَ النَّاسَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَتَنَ، وَضَبَطَهُ ابْنُ التِّينِ بِالضَّمِّ مِنْ أَفْتَنَ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ أَنْكَرَهُ، وَأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ أَجَازَهُ، فَقَالَ: فَتَنَ وَأَفْتَنَ بِمَعْنًى، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كَانَ عُمَرُ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ رَدِّ الشَّارِعِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ مِنْ أَجْلِ الْأَعْلَامِ الَّتِي فِيهَا، وَقَالَ: إِنَّهَا أَلْهَتْنِي عَنْ صَلَاتِي. قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَهُ جُبَارَةَ بْنَ الْمُغَلِّسِ فَفِيهِ مَقَالٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا) بِفَتْحِ الْهَاءِ، أَيْ: يَتَفَاخَرُونَ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ أَنَسًا قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ بِالْمَسَاجِدِ، ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَالطَّرِيقُ الْأُولَى أَلْيَقُ بِمُرَادِ الْبُخَارِيِّ. وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الْمَسَاجِدِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: يَتَبَاهَوْنَ


(١) هذا فيه تفصيل: فان قصد بالحدث المعصية أو البدعة فما قاله الشارح متوجه، وإن أريد بالحدث الريح ونحوها مما ينقض الطهارة سوى البول ونحوه فليس ماقاله الشارح واضحا، والصواب إباحة ذلك أو كراهته من غير تحريم، وإن فاتته به صلاة الملائكة وبؤيد الثانى ما ذكره الشارح في شرح الحديث ٤٧٧ فتنبه