عَلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَنَافِرِينَ رُبَّمَا ائْتَلَفَا، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَبْدَأ التَّلَاقِي، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ بِغَيْرِ سَبَبٍ. وَأَمَّا فِي ثَانِي الْحَالِ فَيَكُونُ مُكْتَسَبًا؛ لِتَجَدُّدِ وَصْفٍ يَقْتَضِي الْأُلْفَةَ بَعْدَ النُّفْرَةِ كَإِيمَانِ الْكَافِرِ وَإِحْسَانِ الْمُسِيءِ.
وَقَوْلُهُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ أَيْ أَجْنَاسٌ مُجَنَّسَةٌ أَوْ جُمُوعٌ مُجَمَّعَةٌ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ نُفْرَةً مِمَّنْ لَهُ فَضِيلَةٌ أَوْ صَلَاحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ لِيَسْعَى فِي إِزَالَتِهِ حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنَ الْوَصْفِ الْمَذْمُومِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي عَكْسِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَرْوَاحُ وَإِنِ اتَّفَقَتْ فِي كَوْنِهَا أَرْوَاحًا لَكِنَّهَا تَتَمَايَزُ بِأُمُورٍ مُخْتَلِفَةٍ تَتَنَوَّعُ بِهَا، فَتَتَشَاكَلُ أَشْخَاصُ النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَتَتَنَاسَبُ بِسَبَبِ مَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنَ الْمَعْنَى الْخَاصِّ لِذَلِكَ النَّوْعِ لِلْمُنَاسَبَةِ، وَلِذَلِكَ نُشَاهِدُ أَشْخَاصَ كُلِّ نَوْعٍ تَأْلَفُ نَوْعَهَا وَتَنْفِرُ مِنْ مُخَالِفِهَا. ثُمَّ إِنَّا نَجِدُ بَعْضَ أَشْخَاصِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ يَتَآلَفُ وَبَعْضُهَا يَتَنَافَرُ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْأُمُورِ الَّتِي يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ وَالِانْفِرَادُ بِسَبَبِهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) هُوَ الْمِصْرِيُّ (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا) يَعْنِي مِثْلَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِهِ، وَرُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى، وَفِيهِ قِصَّةٌ فِي أَوَّلِهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ كَانَتِ امْرَأَةٌ مَزَّاحَةٌ بِمَكَّةَ، فَنَزَلَتْ عَلَى امْرَأَةٍ مِثْلِهَا فِي الْمَدِينَةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: صَدَقَ حِبِّي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَرُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي بَكْرِ بْنِ زُنْبُورٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَيْضًا بِسَنَدِهِ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ بِمَعْنَاهَا، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: أَبُو صَالِحٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ وَلَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ فِي الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا يُخَرِّجُ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الِاسْتِشْهَادِ، فَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ بِلَا إِسْنَادٍ، فَصَارَ أَقْوَى مِمَّا لَوْ سَاقَهُ بِإِسْنَادٍ اهـ. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي كِتَابِهِ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ إِسْنَادًا آخَرَ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ سَاقَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. قُلْتُ: وَلِلْمَتْنِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
٣ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ مَا ظَهَرَ لَنَا، ﴿أَقْلِعِي﴾ أَمْسِكِي. ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ نَبَعَ الْمَاءُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الْأَرْضِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْجُودِيُّ: جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ. دَأْبٌ: مِثْلُ حَالٌ.
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾
٣٣٣٧ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ﵄: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ. وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ.
٣٣٣٨ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute