إِبَاحَةِ قَطْعِ الشَّجَرِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ غَرَضَهُ الْإِشَارَةُ بِهِ إِلَى أَنَّ الْقَطْعَ الْجَائِزَ هُوَ الْمُسَيَّبُ لِلْمَصْلَحَةِ كَنِكَايَةِ الْكُفَّارِ أَوْ الِانْتِفَاعِ بِالْخَشَبِ أَوْ نَحْوِهِ، وَالْمُنْكَرَ هُوَ الَّذِي عَنِ الْعَبَثِ وَالْإِفْسَادِ، وَوَجْهُ أَخْذِهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ الشَّارِعَ نَهَى عَنِ الْمُخَاطَرَةِ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ إِبْقَاءً عَلَى مَنْفَعَتِهَا مِنَ الضَّيَاعِ مَجَّانًا فِي عَوَاقِبِ الْمُخَاطَرَةِ، فَإِذَا كَانَ يَنْهَى عَنْ تَضْيِيعِ مَنْفَعَتِهَا وَهِيَ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ وَلَا مُشَخَّصَةٍ فَلَأَنْ يَنْهَى عَنْ تَضْيِيعِ عَيْنِهَا بِقَطْعِ أَشْجَارِهَا عَبَثًا أَجْدَرُ وَأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (نُكْرِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ. وَقَوْلُهُ: (لِسَيِّدِ الْأَرْضِ) أَيْ مَالِكُهَا. وَقَوْلُهُ: (بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى) ذَكَرَهُ عَلَى إِرَادَةِ الْبَعْضِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الزَّرْعِ. وَقَوْلُهُ: (فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمِ الْأَرْضُ وَمِمَّا يُصَابُ الْأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَمَهْمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَمَعْنَاهُ فَكَثِيرًا مَا يُصَابُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَالِكٍ. وَزَادَ الْكَرْمَانِيُّ هُنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا بِمَعْنَى رُبَّمَا لِأَنَّ حُرُوفَ الْجَرِّ تَتَنَاوَبُ وَلَا سِيَّمَا مِنَ التَّبْعِيضِيَّةُ تُنَاسِبُ رُبَّ التَّقْلِيلِيَّةَ، وَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ لَفْظَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْفِضَّةُ بَدَلَ الْوَرِقِ. وَقَوْلُهُ: (فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ) أَيْ يُكْرَى بِهِما، وَلَمْ يُرِدْ نَفْيَ وُجُودِهِمَا. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٨ - بَاب الْمُزَارَعَةِ بِالشَّطْرِ وَنَحْوِهِ
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلَّا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. وَزَارَعَ عَلِيٌّ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ وَابْنُ سِيرِينَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ: كُنْتُ أُشَارِكُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ فِي الزَّرْعِ. وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى: إِنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا فَيُنْفِقَانِ جَمِيعًا، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَرَأَى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجْتَنَى الْقُطْنُ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: لَا بَأْسَ أَنْ تَكرى الْمَاشِيَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
٢٣٢٨ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ﵄ أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ. ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ، وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ. وقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنْ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ؟ فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَرْضَ وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْوَسْقَ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الْأَرْضَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute