شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا كَذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا، لَكِنْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَالْجَادَّةِ.
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْبَزَّارِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ، وَالْمَحْفُوظُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالْجَادَّةِ، وَسَيَأْتِي لِلْبُخَارِيِّ قَرِيبًا، وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَرِيبٍ بِمُهْمَلَةٍ وَزْنُ عَظِيمٍ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَالْجَادَّةِ.
قَالَ سُلَيْمَانُ: فَذَكَرْتُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّي سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَالطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَالْجَادَّةِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرْبَعِينَ، وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُبَادَةَ كَالْجَادَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِلَفْظِ: سَبْعَةٍ بِتَقْدِيمِ السِّينِ، فَحَصَلْنَا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ أَقَلُّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَأَكْثَرُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ وَبَيْنَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِينَ، أَصَحُّهَا مُطْلَقًا الْأَوَّلُ وَيَلِيهِ السَّبْعِينَ.
وَوَقَعَ فِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ وَفِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ، وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ لَا أَعْرِفُ مَنْ أَخْرَجَهُمَا إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ نَسَبَ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ هَذِهِ لِتَخْرِيجِ الطَّبَرِيِّ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَذَكَرَ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَفِي أُخْرَى: اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَفِي أُخْرَى: سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي أُخْرَى: خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، فَبَلَغَتْ عَلَى هَذَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَفْظًا.
وَقَدْ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ النُّبُوَّةَ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إِنْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّؤْيَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ وَإِنِ انْقَطَعَتْ فَعِلْمُهَا بَاقٍ، وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟ ثُمَّ قَالَ: الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُلْعَبُ بِالنُّبُوَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهَا نُبُوَّةٌ بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتِ النُّبُوَّةَ مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَكَلَّمَ فِيهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كَوْنُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ مِمَّا يُسْتَعْظَمُ وَلَوْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ لَفْظَ النُّبُوَّةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِنْبَاءِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ لُغَةً، فَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى أَنَّ الرُّؤْيَا خَبَرٌ صَادِقٌ مِنَ اللَّهِ لَا كَذِبَ فِيهِ كَمَا أَنَّ مَعْنَى النُّبُوَّةِ نَبَأٌ صَادِقٌ مِنَ اللَّهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فَشَابَهَتِ الرُّؤْيَا النُّبُوَّةَ فِي صِدْقِ الْخَبَرِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالنُّبُوَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَبَرُ بِالْغَيْبِ لَا غَيْرَ وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُ ذَاكَ إِنْذَارٌ أَوْ تَبْشِيرٌ فَالْخَبَرُ بِالْغَيْبِ أَحَدُ ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يُقَرِّرُ الشَّرْعَ وَيُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فِي طُولِ عُمْرِهِ بِغَيْبٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي نُبُوَّتِهِ وَلَا مُبْطِلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْهَا، وَالْخَبَرُ بِالْغَيْبِ مِنَ النَّبِيِّ لَا يَكُونُ إِلَّا صِدْقًا وَلَا يَقَعُ إِلَّا حَقًّا، وَأَمَّا خُصُوصُ الْعَدَدِ فَهُوَ مِمَّا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ حَقَائِقِ النُّبُوَّةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ