الحيرة عمرو بن هند، فكره قتلهما عنده لمكان قومهما، وبعد مدة كتب لهما إلى عامله بالبحرين يأمره بإعطاء جائزة لكل منهما، وكان أمره فيما كتب لهما بقتلهما، وأوهمها أنه كتب لهما بجائزة، ولما كان في الطريق، اقرأ المتلمس ورقته، فإذا فيها الأمر بقتله، فمزقها ورماها بنهر الحيرة، وهرب إلى الشام، وأبى طرفة أن يفتح ورقة الملك، وقال للمتلمس: إن كان اجترأ عليك، فلن يجترئ علي. وذهب إلى عامله، فقتل هناك، وبقي المتلمس في الشام مدة، وكلموا الملك في رجوع المتلمس إلى العراق والعفو عنه، فقال الملك: واللات لا يذوق حب العراق ما حييت! فبلغه ذلك، فقال هذه القصيدة وهو بمكة، يحرض بكرًا على عمرو، ومطلعها:
يا آل بكر ألا لله أمُّكم ... طال الثَّواء وثوب العجز ملبوس
أغنيت شأني لأغنوا اليوم شأنكم ... واستحمقوا في ذكاء الحرب أو كيسوا
إلى أن قال:
حنَّت قلوصي بها والَّليل مطَّرق ... بعد الهدوِّ وشاقتها النَّواقيس
يقول: حنت ناقتي إلى الشام، لأن بها غسان، وكانوا نصارى، وكان يمدحهم، فلذلك قال: وشاقتها النواقيس.
وقد أضاء سهيل بعد ما هجعوا ... كأنَّه ضرب بالكفِّ مقبوس
إلى أن قال يخاطبها:
أمِّي شاميَّة إذ لا عراق لنا ... قومًا نودُّهم إذ قومنا شوس
أمّي: اقصدي الشام، وشوس: أعداء، والأشوس: الذي ينظر إلى صاحبه شزرًا، كأنه يريد أن يبطش به من البغضاء.