للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا المحلّ: إنَّ المعنى لا يمنع الجوع قاتل الجوع. أي: لا يمنع الخبز، وهذا كما ترى ليس فيه كبير بلاغة مدح بالنّسبة إلى معنى لفظ: الجود، بالدّال، لأنَّ المعنى معها: لا يمنع هذا الممدوح الجود قاتله. أي: لو قدّرنا أنَّ شخصًا ضربه، فأنفذ مقاتله، ثمَّ أتى الضّارب يسأل هذا المضروب أن يجود عليه بشيء يطلبه منه، لما منعه إيّاه مع علمه بأنّه هو الذي أنفذ مقاتله، فيوافق في المعنى قول الآخر:

هُوَ البَحْرُ مِنْ أيُّ النَّواحي أتيتَهُ ... فَلُجَّتُهُ المعْرُوفُ والجُودُ ساحلُهْ

فَلَوْ لمْ يكَنْ في كَفِّهِ غيرُ نفسِهِ ... لجادَ بها فَلْيَتَّقِ اللهَ سَائِلُهْ

وهذا مَعنى بليغ في المدح بالجود، فأين ممّا يفيده لفظ الجوع بالعين، وفاعل يمنع ضمير فتى. والجود: مفعوله الأوَّل، وقاتله الثاني، وبالدّال وجدته في بعض نسخ الجوهري. وفي نسخ مظنون بها الصّحة من "تفسير ابن عطيّة" في قوله تعالى: (مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ) [الأعراف/ ١٢] تأمّل إعراب قوله: من فتى، والأولى أن يكون صفة أو حالًا من نعم، أي: صادرة نعم المستعجلة به من فتى شأنه هذا، وإذا صدرت "نعم" من الجواد الموصوف بهذه الصفة لم يتخلّف مقتضاها. انتهى كلام ابن مرزوق، وهو غاية في جودة المعنى.

وقال الزمحشري في "أحاجيه" بعد أن فِسّر البيت الأوَّل بما فسّر به المصنّف: وأمّا بقيّة البيت فلم يفسّره أبو الحسن، وهو مشكل جدًا، وأقول في معناه: إنّه مدح كريم أبى جوده أن ينطق بـ "لا" التي للبخل، واستعجلت بجوده نعم، أي: سبقت نعم "لا" كما قال:

واستَعجَلونا وكانُوا مِنْ صَحابتِنا ... كما تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِورَّادِ

أي: سبقونا وتقدَّمُونا، أي: إنَّ نعم استعجلت لا، أي: سبقتها صادرة من فتى لا يمنع الجود، والهاء في قاتله يعود على نعم، أي: قاتل نعم لا يمنع الجود،

<<  <  ج: ص:  >  >>