أسمع الصياح فيّ والجعل, فلمّا طال بي المقام, قلت لها: أحببت الشّخوص إلى أهلي, فلمّا أمسيت أظلم اللّيل قالت: إن شئت فانزل, فنزلت, وقد أعدت راحلتين عليهما ما أحتاج إليه, ومعهما عبد, وأعطته نفقة للطّريق. قالت: العبد والرّاحلتان لك, فركبت, وركب معي العبد حتي طرقت منزلي بمكّة, فقالوا: مافارقنا طلبك إلَّا في هذا الوقت, فأقمت عندهم حتى أسحرت, ثمَّ نهضت ومعي العبد حتي أتيت المدينة, فجئت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب, فكتب بالشّفاعة لي إلى أمّ البنين, بنت عبد العزيز, فشفعها عبد الملك, وقال لها: مريه أن يحضر مجلس العشية, فحضر ثمَّ أذن للنّاس, وأخر إذن ابن قيس, ثمَّ أذن له, فلمّا دخل عليه, قال عبد الملك: أتعرفون هذا؟ فقالوا لا, فقال هو ابن قيس الرّقيات الذَّي يقول:
كيف نومي على الفراش ولمّا ... تشمل الشّام غارةٌ شعواء
تذهل الشَّيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء
فقالوا: يا أمير المؤمنين! اسقنا دم هذا المنافق, قال الآن وقد أمنته وصار في منزلي وعلى بساطي! قد أخرت الإذن لتقتلوه فلم تفعلوا! . واستأذنه ابن قيس: أن ينشده مديحه, فأنشده:
عاد له من كثيرة الطَّرب
إلى أن قال:
يعتدل التّاج فوق مفرقه ... على جبينٍ كأنَّه الذَّهب
فقال له عبد الملك يا ابن قيس! تمدحني بالتّاج كأني من العجم, وتقول في مصعب:
إنما مصعبٌ شهابٌ من الله تجلّت عن وجهه الظّلماء
ملكه ملك عزَّة ليس فيه ... جبروتٌ منه ولا كبرياء